ترفيهمسلسل غريبه في عالمك

مسلسل غريبه في عالمك الحلقة الخامسة والسادسة والعشرون

الحلقة الخامسة والعشرون


*مزيدا من الآلام*
لم تعلم على من يمكنها أن تلقي باللوم؟ فهل ستلوم الظروف التي دائما ما تعترض طريق سعادتها معه وتبعدهما أميالا كلما حاولا الاقتراب خطوة؟ أم تلوم هؤلاء الاشخاص الذين يظهرون غالبا من العدم ليعكرون صفو حياتهما؟ أم تلومه هو ذلك الشخص ذو الماضي الذي لا تستطيع أن تتقبله بكل مساوئه؟ أم انها توجه اللوم الى نفسها لأنها تعلقت بالشخص غير المناسب, رجل لا يمكنه ان يسلم قلبه بسهولة لأي إمرأة حتى وإن كانت زوجته؟ هكذا قضت مريم ليلتها يجافيها النوم وهي تفكر في حل مناسب لمشاكلها التي لا تنتهي عندما يمون يوسف جلال طرفا فيها وتتساءل ما إذا كان هو الآخر يشغل نفسه بتلك ا؟لأمور ويريد لعلاقتهما النجاح أم أنها هي البلهاء الوحيدة التي تسعى وراء السراب؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أقيم حفل افتتاح شركة My Life للمعمار الخاصة بوليد جلال في الفيللا كما كان متفقا عليه من قبل, وقد أعدت كل من مريم وحياة لهذا الحفل بكل دقة وترتيب حيث أخرجتاه في أكمل صورة. كان كل من وليد يوسف يقومان بدور المضيف وقد تلقى وليد الكثير من التهانىء والمباركات, ويوسف كذلك حيث كان البعض يعتقد ان تلك الشركة ما هي الا فرعا جديدا لشركة المعمار الأم وهذا باضبط ما كان يريده يوسف لأن اسم شركة المعمار سيضيف الكثير لأخيه في بداية طريقه. وكان الضيف يتجمعون في حلقات حول بركة السباحة وكل منهم يتناقش مع الاخر فيما يتعلق بالعمل والصفقات المختلفة, فكعادة رجال الأعمال دائما يتصيدون كل فرصة مهما كانت صغيرة في القيام ببعض الأعمال التي تعود عليهم بالمزيد من الأرباح حتى في المناسبات الاجتماعية, فما بالك باحتفال أقيم خصيصا لهذا الغرض؟
كان الاخوان هما نجمي الحفل بوسامتهم وجاذبيتهم وكذلك ذكائهم في التعامل ولباقتهم في الحديث يتنقلان من حلقةإلى أخرى, ويقوم يوسف بتقديم أخيه إلى جميع رجال الأعمال والمهندسين مع كلمات المدح والإطراء التي لم يجد صعوبة في العثور عليها ليذكي بها شقيقهبل لنقل ابنه الكبير كما كان يعتبره.
ورغم غرابة الأجواء بالنسبة لكل من مريم وحياة الا انهما قد استطاعتا اثبات كفاتهما في ذلك المجال وقد تعرفتا خلال وقت قصير جدا على معظم الزوجات اللاتي حضرن الحفل وقد كانت النساء تعجبن من لباقتهما وحسن ضيافتهما رغم صغر سنهما ويجذبهن حجابهن الجميل والأنيق والذي كانت تفتقر اليه الباقيات.
وفي الوقت الذي كانت تقف فيه مريم وحياة مع بعض النساء يتحدثون في بعض أمور ربات البيوت التي لم تكن تشغل فكرهما كثيرا لانهما كانتا بعيدتين كل البعد عن تلك الصفة,جذب انتباه مريم تلك المرأة التي اقتحمت فجأة الحلقة التي كان بها زوجها, هذه المرأة التي تتذكر جيدا مدى أنوثتها وجاذبيتها فإنها بالطبع لم تكن سوى علياء! لاحظت مريم من بعيد رغم انها لم تسمع حديثها معهم إلا أن جميع الرجال قد تقبلتها في حلقتهم بكل بساطة وكان ذلك واضحا تماما من تلك الضحكات التي استطاعت سماعها جيدا من مكانها ذلك, لاحظت حياة انشغال صديقتها بأمر ما كما شعرت بتغيير تعابير وجهها فوجهت عينيها إلى حيث كانت تنظر مريم لتعلم السبب وراء تجهمها ذلك, فهمست اليها دون أن يلاحظ أحد بذكائها المعهود: أكيد دي علياء.
هزت مريم رأسها بشكل تلقائي مؤكدة تخمين صديقتها التي استمرت تقول: شكلها كدة مش سهل خالص.
ومرة أخرى تهز مريم رأسها بعفوية مؤكدة على كلام حياة وهي تشعر بنيران تتأجج في صدرها كما أنها شعرت أيضا برغبة ملحة في الذهاب الى علياء وطردها من المكان أمام الجميع ولكن منعها من ذلك حرصها الشديد ان تبدو بمظهر الضيفة الودودة أمام الجميع عامة وأن تبدو بمظهر الزوجة الذكية الحريصة على مصلحة زوجها أمام يوسف خاصة, سمعت حياة تقول لها مشجعة: يمكن صحيح تكون منافسة قوية لكن انتي بردو لسة أدامك الفرصة انك تحافظي على جوزك وتحميه.
حادت مريم بنظرها بعيدا عن المكان الذي كانت تقف فيه علياء وهي تميل إلى زوجها وتهمس له ببضعة كلمات تجعله يضحك بصوت عال أما هي فتبتسم ناظرة اليها بتحد واضح دون أن يراها أحد بشكل, شعرت مريم ولأول مرة استطاعت مريم أن تعترف لنفسها على الأقل بأنها كانت تشعر بالغيرة من علياء ومن سمر ومن أي إمرأة أخرى تقترب من زوجها ولكنها حاولت جاهدة أن تبدو هادئة وهي ترد على حياة قبل أن تنسحب من بين تلك المجموعة بثبات وهي ترسم على شفتيها ابتسامة زائفة وكأن الأمر لا يعنيها: ومين قالك ان انا عاوزة أعمل كدة؟ الموضوع مش فارق معايا أصلا, يعملوا اللي هما عاوزينه.
تغيبت مريم لفترة عن الحفل, حيث دخلت الفيللا وجلست وحدها على أحد الكراسي في الصالون لتنفرد بنفسها قليلا بعيدا عن يوسف وبعيدا عن علياء وعن كل من يمكنه أن يزعجها. فلقد اكتشفت لتوها أنها تغير عليه وقد شعرت بأن تلك الغيرة تقتلها في أكثر من موقف. فهل الغيرة هي دليل الحب كما يقول البعض؟!
: أنصحك بلاش.
انها هي نفس نبرة الصوت التي أصبحت تزعجها كثيرا, لذلك لم تفاجىء مريم كثيرا عندما نظرت خلفها لتجد علياء ترمقها بنظرات متكبرة أغاظتها كثيرا ولكنها قررت ألا تسمح لتلك المرأة باستفزازها فنهضت وهي تقول بابتسامة حاولت أن تحمل بها الكثير من الود الذي ل تشعر به تجاه هذه المرأة وتقول: اهلا مدام علياء, أي خدمة ممكن أقدمها لحضرتك؟
بدأ أن كلامها لم يرق لعلياء, فقالت وهي تتقدم لتجلس على أحد الكراسي واضعة قدما فوق الاخرى بكل تعالي وكبرياء: بصراحة أنا اللي جاية أقدملك خدمة عمرك يا مريم, تسمحي أقولك مريم كدة من غير ألقاب؟
تجاهلت مريم السؤال الأخير لأنها بداخلها لا تريد رفع الألقاب بينها وبين تلك المرأة, فذلك لا يحدث سوى بين الأصدقاء وعلاقتها بعلياء بعيدة كل البعد عن الصداقة, وحاولت أن تتحلى بالهدوء وهي تجلس قبالتها وتسألها:الحقيقة مش فاهمة, ياترى ايه هي الخدمة اللي ممكن تقدميهالي؟
علياء: أنا جاية عشان أجاوبك ع السؤال اللي محيرك لحد دلوقت وانتي مش لاقيه ليه أي إجابة مناسبة.
مريم بدهشة: سؤال ايه؟
علياء: هو يوسف اتجوزك ليه؟ مش دة هو السؤال اللي مطير النوم من عينك؟
حاولت مريم أن تحافظ على هدوءها قدر المستطاع رغم البركان الذي كان تفجر بداخلها بسبب تدخل تلك السيدة في حياتها بهذا الشكل الغير لائق, ولكنها لم ترد أن تكون فظة في حديثها معها وهي تقول لها: والله أعتقد ان دي حاجة ما تخصش حضرتك.
لاحظت مريم أن كلامها قد أغضب علياء بعض الشيء وظهر ذلك جليا في نبرة صوتها التي ارتفعت قليلا وهي تقول بحدة: انتي غلطانة يا مريم, لان الموضوع دة يخصني زي ماهو يخصك.
مريم: ودة يخص حضرتك في ايه بقا؟
علياء: يخصني لأن يوسف دة بتاعي, ملكي انا يا مريم, ومش هسمح لأي واحدة تاني انها تاخده مني, انتي فاهمة؟
لم تندهش مريم من معنى كلامها بقدر ما اندهشت من جرأتها وهي تتفوه به, ولكن ما زالت مريم تحافظ على هدوءها وهي تقول: المرادي بقا انتي اللي غلطانة يا مدام علياء, لانك واضح جدا انك نسيتي ان يوسف دة بقا جوزي انا.
وبعكس توقعاتها سمعتها مريم تضحك بصوت عال يكاد يصم أذنيها, ثم قالت ساخرة: أي جواز دة اللي بتتكلمي عنه؟ قصدك يعني ع العقد دة اللي بينك وبينه واللي سهل أوي انه يتلغي في أي وقت؟
إذن فهي تعلم كل شيء! ومن الواضح أن يوسف هو من أخبرها به, وقد كانت تلك الحقيقة هي ما صدمتها كثيرا, ولكنها لم تعلق بشىء, مما سمح لعلياء بالاستمرار في حديثها بطريقتها المستفزة التي أصبحت لا تطاق مؤكدة شكوكها: ما تستغربيش أوي كدة, انا يوسف عمره ما بيخبي عليا حاجة, احنا أصدقاء من زمان وفاهمين بعض أوي عشان كدة بقولك ان انا كنت اكتر واحدة جديرة بيه.
استطاعت مريم بصعوبة أن تمنع تخفي نيرة الحزن في صوتها ليبدو ثابتا وهي تقول: لو كان صحيح اللي انتي بتقوليه دة, يبقا ليه ما فكرش انه يتجوزك؟
اكتسب صوت علياء الكثير من الحقد وهي تجيب: عشان جيتي انتي وجدك ووقفتوا بيني وبينه.
مريم: ازاي؟
علياء: صحيح انا صاحبة سلسلة بوتيكات مشهورة, بس مهما كان بردو اللي عندي أقل بكتير من ثروة جدك عبدالرءوف دة غير الشراكة اللي بتجمع بين شركة يوسف وشركة جدك, واللي ممكن بكل سهولة تتحل لو بعد الشر يعني جدك مات, ودة طبعا هيسبب خسارة كبيرة ليوسف, عشان كدة كان محتاج نوع معين من الضمان يضمن بيه مستقبل شركته, وانتي بقا يا مريم كنتي الضمان دة.
مريم: انا!
علياء: طبعا, مش انتي أحد الورثا, دة غير كمان ان ليكي النصيب الكبير في ثروة جدك, ويوسف بجوازة منك هيبقا من السهل عليه انه يتحكم في نصيبك وبكدة تفضل الشراكة مستمرة او على الأقل حتى لو اتفكت مش هيكون خسر كتير, بالعكس طبعا ميراثك لوحده هيبقا أكبر مكسب ليه في صفقة جوازكم.
بهتت مريم لسماعها هذا الكلام عن حقيقة جوازها بيوسف, أيمكن لهذا الشخص الذي اعتقدت بأنها أصبحت تعرفه جيدا يكون بتلك الوضاعة والانتهازية التي تصورها لها علياء؟ لكن ما زال هناك جزء من عقلها يرفض تصديق ذلك فمهما كانت عيوب يوسف كثيرة الا انهالا يمكنها أن تتخيله أبدا ذلك الشخص الذي لا يحركه سوى الطمع, وبدا أن علياء قد شعرت بمدى الحيرة التي قد استولت عليها, فأصبح صوتها يحمل بعض الود وهي تقول: أنا عارفة يا مريم ان صعب أوي تصدقيني, وانك يمكن كمان تكوني اتعلقتي بيوسف لدرجة انه بقا مستحيل عليكي تصدقي عنه حاجة زي كدة, بس أنا بقا عندي الدليل على كل كلمة قولتهالك.
فانتبهت مريم اليها بكل حواسها وعينيها مليئة بالتساؤل, ولم تجعلها علياء تنتظر كثيرا, فأخرجت هاتفها من حقيبة يدها وضغط على بعض أزراره ومريم تنظر اليها بعيون جامدة وأعصاب مشدودة وسمعتها تقول: اللي هسمعهولك دلوقت تسجيل صغير لكلام يوسف بنفسه.
وفجأة سمعت مريم صوت زوجها الذي لا يمكن أن تخطئه أبدا يتردد عبر الهاتف وهو يقول: علياء .كل اللي انا عاوزك تفهميه كويس ان الجوازة دي كانت جوازة مصلحة, يعني تقدري تسميها صفقة مش اكتر.
علياء بعدم تصديق: صفقة! وعاوزني انا اصدق الكلام دة!
يوسف: تصدقي أو لا دي مشكلتك مش مشكلتي , بس انا اللي عندي قلته.
علياء: بس يا يوسف انا اللي اعرفه بقا ان كل صفقة بيبقا ليها ميعاد محدد تنتهي فيه,يا ترى انت بقا جوازك من النوع دة ولا من نوع الى الابد الى الابد؟!
يوسف: انتي كدة بدأتي تفهميني, انا فعلا ناوي انهي جوازي بعد فترة,بس لما يحصل اللي انا عاوزه الأول.
وأغلقت علياء التسجيل وهي تعلق بنبرة حزينة مصطنعة: للأسف موبايلي جه لحد هنا وفصل شحن, بس طبعا انتي تقدري تستنتجي الباقي, ومش محتاجة أقولك هو ايه اللي يوسف كان مستنيه يحصل عشان يطلقك, طبعا كان يقصد انه لما يحط ايده الأول على كل ممتلكاتك وميراثك.
بدت مريم عاجزة عن الكلام وهي تنظر الى الفراغ والدموع تتجمع في عينيها اثر الكلام الذي سمعته, فأكملت علياء وهي تقترب من مريم بخطوات ثابتة مواسية: انا اسفة يا مريم, انا عارفة ان الكلام اللي انتي سمعتيه جرحك اوي بس أعتقد ان دة أفضل بكتير من انك تفضلي مخدوعة على طول, وكمان عشان تقدري بعد كدة انك تتحكمي في مشاعرك من ناحيته, لأن يوسف دة لا بتاع حب ولا جواز, يوسف الحاجة الوحيدة اللي ممكن تحركه هي المصلحة, و أنا عارفة كويس انه بعد ما يطلقك هيلاقي مصلحته معايا, وهترجع علاقتنا زي ما كانت في الأول.
مريم وهي تحاول أن تخفي نبرة الاحتقار التي تخللت صوتها: وانتي ازاي هتقبلي ترجعيله تاني وانتي عارفة كل الكلام دة؟
فابتسمت علياء بشيطانية وهي تجيب: أولا يوسف مش هيرجعلي ولا حاجة, لأنه وبكل بساطة هو أصلا ما سابنيش, وعلاقتنا زي الأول ويمكن أحسن كمان, ثانيا بقا أن كل الكلام دة مش هيفرق معايا كتير لأن زي ما يوسف مصلحته معايا أنا كمان مصلحتي معاه, يعني الصفقة اللي هتبقا بينا هيبقا فيها مكسب للطرفين بعكسك انتي تماما.
أحست مريم بأنها قد تلقت طعنة قاتلة في قلبها ولكنها استطاعت أن تتغلب على دموعها الحارقة وبعد مجهود كبير استطاعت أن تخرج صوتها من جديد بعد أن كانت ظنت أنها ستعجز عن الكلام ومع أنه كان صوتا ضعيفا مرهقا ولكن استطاعت أن توقف به علياء في مكانها بعد أن كانت تستعد للرحيل: لو سمحتي سؤال أخير.
اكتفت علياء بنظرات الترقب ناحية مريم التي قالت: انتي ايه اللي خلاكي تيجي دلوقت وتقوليلي كل الكلام دة؟ يعني بمعنى أصح ليه ما استنتيش لما يوسف ينفذ خطته وبعدين تتجوزوا زي ما كنتم متفقين؟
وكأنها كانت تتوقع السؤال, فأجابت بكل بساطة وتلقائية: لأن زي ما قولتي, دي كانت خطة يوسف مش خطتي وأنا وافقته بس عليها عشان أرضيه على أمل , سوري يعني, ان جدك لاقدر الله يموت في العملية اللي كان هيعملها, لكن دة ما حصلش ولما حسيت ان الفترة اللي كنا متفقين عليها ممكن تطول أو ان يوسف ممكن يغير رأيه…….
وقبل أن تكمل جملتها سألتها مريم بقلق: يغير رأيه ازاي يعني؟ قصدك انه يخطط انه يقتل جدو عبدالرءوف بنفسه؟
فابتسمت علياء ابتسامتها الكريهة وهي تنفي بكل تأكيد: لا طبعا, يوسف مهما كان بيب مصلحته الا ان عمره ما هيفكر في القتل, بس كان ممكن يعمل تغيير بسيط في الخطة بتاعته, يعني بدل ما كان مزيف ولفترة محدودة فكان ممكن يخليه جواز حقيقي و اهو كدة كدة كسبان من كل ناحية يعني بما ان عبدالرءوف بيه بقا بيثق فيه أكتر من أي حد فسهل أوي انه يخليه المتحكم الاساسي في كل أملاكه زي ماهو تقريبا عامله دلوقت وأهو بالمرة يبقا واخد عروسة فوق البيعة.
وعندما رأت نظرات مريم الغاضبة التي تشتعل نارا متجهة ناحيتها علمت أنها قد تمادت في استفذاذها, فقررت أن تصحح هذا الخطأ فورا فاستطردت حديثها قائلة باعتذار: انا اسفة ما كنتش أقصد, بس يوسف جلال انتي ممكن تتوقعي منه أي حاجة, لأن محدش يقدر يعرف اللي في دماغه.
فهزت مريم رأسها وكأنها تؤكد على كلامها فابتسمت علياء ابتسامة انتصار لم تلحظها مريم, وأكملت علياء وهي تهم بمغادرة المكان بنبرة مستكينة هادئة وكأنها تتوسلها: مريم! انا كل اللي بطلبه منك هو يوسف.
وعندما رأت نظرات الشك في عينيها أكملت: ما تستغربيش, انا للأسف برغم كل عيوبه الا اني فعلا بحبه وهو دة اللي خلاني جيتلك هنا واعترفتلك بكل اللي حصل, انا بجد لو يوسف ضاع مني مش عارفة ممكن يحصلي ايه؟ سيبيه يا مريم لأنك بكل بساطة مش هتقدري تتعاملي معاه ولا هتقدري تعيشه في دنيته اللي هو عملها لنفسه, انتي مهما حاولتي تقربه منه هتفضلي بردو بعيدة وغريبة عنه, وقبل ما امشي ليا طلب أخير, ياريت يوسف ما يعرفش اني كلمتك في أي حاجة ولا يعرف كمان انك اكتشفتي حقيقته لأن لا أنا ولا انتي هنقدر نستعمل عقابه. عن اذنك.
وغادرت علياء بعد أن فجرت قنبلتها لتحرق كل من حولها وأولهم مريم تلك الصغيرة التي أصبحت تشعر بالضياع وبمدى سذاجتها عندما تخيلت في بعض الأوقات بأنها استطاعت أن تجذب إليها يوسف أو تقربه منها ولو قليلا, بل كان كل ذلك مجرد خدعة كان هدفه الوحيد من ورائها هو ثروة جدها. لم تعلم مريم كيف يمكنها أن تتصرف معه بعد الآن؟ بل كيف يمكنها أن تلتقي به دون أن تلقي في وجهه سلسلة من الاتهامات بناء على ما اكتشفته وسمعته بأذنيها؟
وظلت هكذا واجمة لبعض الوقت حتى أتتها بعض الأصوات من الخارج, فتذكرت الحفل الذي كانت قد تغيبت عنه كثيرا, وبعد أن كانت قد قررت أن تصعد الى غرفتها حيث لم يعد لديها الرغبة في رؤية أحد أو الدخول في أي نقاش الا انها عدلت عن رأيها أخيرا لآنها لا تريد أن يلحظ أحد تغيبها حيث أعتزمت أن تخفي الأمر عن الجميع وخصوصا هو الى أن تكشفه أمام جدها أولا ثم باقي الناس ممن يكنون له كل احترام وتقدير.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نعود مرة أخرى الى الحفل لنجد هدى تقف بعيدا منبهرة بكل ما تراه من أجواء و ثياب لم ترى مثيلا لها الا على شاشات التلفاز أو اغلفة المجلات.
وبالطبع لم يبد أحد أي اهتمام بتلك الطفلة الصغيرة ذات الشعر الغجري الطويل التي تبدو لكل من يراها للمرة الأولى حادة الطباع كما لم يعلم عنها أحد سوى أنها قريبة صاحب الحفل, لذا فنجد أن الجميع قد تجنب الاحتكاك بها وقد ساعدتهم هي في ذلك حيث تجنبت هي أيضا الاشتراك في أي حديث فهي تجهل هوية الجميع, واكتفت بالمشاهدة من بعيد.
: مساء الخير.
فاجأها الصوت في البداية الى أن علمت صاحبه فابتسمت مرحبة: مساء النور, بس انت مش ملاحظ ان دي تاني مرة تخضني فيها؟
ماهر بابتسامة مشاكسة: اعملك ايه بقا؟ مانتي السبب. على طول مش مركزة, بس ممكن أسألك يا ترى المرادي مشغولة بايه؟
هدى بدون اهتمام: ابدا, بتفرج.
ماهر: ويا ترى عجبك السيرك؟
شعرت هدى بالاهانة لسخريته فاحمرت وجنتاها غضبا وقد لاحظ هو ذلك فازدادت ابتسامته اتساعا مما جعها تقرر أن ترد له الصاع صاعين فردت مراوغة: أكتر حاجة عجبتني هي القرود اللي فيه.
وبالطبع كان ماهر من الذكاء ليعلم بأنه تقصده هو بهه الكلمة ولكنه لم يبد عليه الضيق الشديد بل كانت مجرد تقطيبة بسيطة على جبينه وقرر بعدها تغيير موضوع حديثهما فسألها: قوليلي بقا, عاملة ايه في دراستك؟
فردت هدى بارتياح بعد أن قد سجلت نقطة في صالحها حيث نجحت في استفذاذه هي أيضا: عادي. كلها دراسة.
ماهر: أفهم من كدة انك مش حابة دراستك في كلية الاعلام؟
هدى: مش بالظبط, بس مش فارقة معايا كتير. انا كان هدفي اني ادخل الجامعة وأكمل تعليمي وخلاص, ومش شرط بقا في كلية معينة.
ماهر متعجبا: ازاي يعني؟! يعني انتي مش ناوية تشتغلي بعد ما تتخرجي؟
هدى بسخرية: لا طبعا, انا ناوية اتجوز وأقعد في البيت أربي العيال.
ماهر: انتي بتتريقي؟
هدى: أكيد طبعا بتريق؟ أنا يمكن صحيح دخلت الكلية دي كتحدي ومش عن افتناع أوي الا اني مش بحب أفشل في أي حاجة بعملها وأكيد بعد ما اتخرج ناوية أشتغل .هو انت مش مؤمن بعمل المرأة ولا ايه؟
لم يعلم ماهر بم يمكنه أن يجيب سؤالها؟ فقد كان حريصا كل الحرص على ألا يثير غضبها ففكر قليلا في أحد الحلول الوسطية ولكنه في النهاية قرر أن يقول الصدق: في الحقيقة لا, انا عن نفسي شايف ان عمل المرأة الحقيقي في بيتها مع جوزها و اولادها.
هدى باستياء: بقا موضة قديمة أوي الكلام دة.
ماهر مداعبا: طيب مانا ممكن أجدد نفسي, اعمليلي انتي بس أب تو ديت كدة وأنتي هتلاقيني أحدث موديل.
فابتسمت هدى وكان الخجل يشوب ابتسامتها الصافية, ثم قال لها ماهر بكلمات مترددة: هدى! هو أنا ممكن أسألك سؤال؟
أجابتة هدى بهزة خفيفة من رأسها, فكان سؤاله المفاجىء: أنا على حسب علمي انك انتي ووليد كنتم شبه مخطوبين, فياترى انتي لسة بتفكري فيه دلوقت؟
رأى ملامحها قد تبدلت لتعبر عن الامتعاض الشديد وقد انتظر أن تخبره بأن ذلك ليس من شأنه ولا يحق له التدخل في هذا الأمر ولكنه سمعها تقول بعفوية وكأنها كانت بحاجة إلى من تتحدث إليه بحرية, شخص ليس من حقه انتقادها أيا كان ما ستقوله له: ما اكدبش عليك و أقولك اني نسيت اللي حصل وإن بجوازه من حياة أهني إهانة كبيرة, لكن مش حاسة أوي اني خسرت كتير لما خسرته.
فظهر شبح ابتسامة على محياه وهو يقول: دة معناه انك ما كنتيش بتحبيه أصلا.
هدى: الحقيقة مش عارفة, أنا كل اللي أعرفه اني من يوم ما وعيت ع الدنيا وأنا بسمعهم يقولوا ان وليد وهدى مخطوبين واننا من نصيب بعض لحد مانا خلاص بقيت بتعامل ع الأساس دة بالرغم من ان وليد نفسه عمره ما حسسني ان الموضوع مهم أوي بالنسباله زي ما كنت بعتبره مهم بالنسبالي.
ماهر: يعني لو اتقدملك دلوقت واحد مناسب شايف انه هيقدر يسعدك ممكن توافقي عليه؟
شعرت هدى بالاحمرار يغزو وجهها عندما فهمت ما يقصده وحاولت الهروب من نظرات عينيه التي تطالبها بالاجابة على سؤاله, ولم تجد هدى من ينقذها من هذا الموقف المحرج غير صوت حياة التي ظهرت فجأة أمامهما تقول لهما برفق: السلام عليكم.
وانتظرت حتى رد الاثنان السلام , وقال لها ماهر بينما أشاحت هدى بوجهها عنها: اهلا مدام حياة, الحقيقة أنا بحيي حضرتك على التنظيم الرائع دة للحفلة.
حياة: متشكرة ليك جدا يا استاذ ماهر بس الحقيقة انا جيت عشان أقولكم ان وقفتكم كدة بعيد لوحدكم مش كويسة أوي دة حتى وليد لاحظ كدة وهو اللي بعتني.
وقبل أن يرد ماهر كانت هدى أسرع منه بنبرة حادة غاضبة: وانتم بقا مالكم ومالي؟ انا اعمل اللي انا عاوزاه, وما افتكرش ان حد عينكم أوصيا عليا سواء انتي أو جوزك.
شعر ماهر بحرج حياة فحاول أن يتدخل لمعالجة الأمر بصوت هادىء معتذرا: أنا آسف يا مدام حياة, حضرتك معاكي حق بس احنا مش بنتكلم في أسرار يعني دة غير اننا مش بعيد أوي للدرجة.
فاتجهت هدى بغضبها اليه: انت كمان بتعتذرلها؟ هي مش ليها حق تتدخل في حياتي, انتي فاهم, مفيش أي حد من حقه انه يتدخل في حياتي مش كفاية انك أخدتي وليد؟ عاوزة تاخدي مين تاني؟
ثم ركضت إلى داخل الفيللا وهي في قمة غضبها تتبعها نظرات حياة المليئة بالشفقة, وتابع ماهر اعتذاره لها: ياريت حضرتك ما تاخديش على كلامها, هي أكيد ما كانتش تقصد.
بالطبع لم تكن حياة بهذا الغباء لتلوم هدى على ما تفوهت به في لحظة غضب بل إنها أعطتها كل الحق فيما قالت وتمنت لو تستطيع في تلك اللحظة أن تخبرها بحقيقة زواجها من وليد وتخبرها أيضا بأنها تتعذب في قربها منه كما تتعذب هي في بعدها عنه.
وفي مكان آخر, كان يوسف يمسح المكان كله بعينيه وكأنه يبحثعن شخص ما, حتى فوجىء بعلياء تقف أمامه وتقول له بابتسامة ودلال: يا ترى بتدور على مين؟
يوسف: بدور على مريم, اديلي فترة مش شايفها, متعرفيش هي فين؟
فكذبت علياء وقالت: لا يا سيدي ما شفتهاش, وتسمحلي بقا أمشي وأسيبك تدور براحتك؟
يوسف: بدري كدة؟!
علياء: تقول ايه بقا, أصلي بقيت بنام بدري تقدر تقول كدة اني بحاول أتعود على حياة الزوجية.
فضحك يوسف وهو يقول: مفتكرش انك هتنجحي.
فمطت علياء شفتيها باستياء وهي تقول: أديني بحاول يا سيدي, وما تنساش بقا انت معزوم عندي يوم الخميس زي ما اتفقنا, وعلى فكرة انا عزمت مريم بس هي قالتلي ان ملهاش في نوع الحفلات بتاعتي, شكلها كدة واخدة على الحفلات الأورديحي اللي زي دي.
يوسف: طيب ما تعفيني أنا كمان.
تظاهرت علياء بالحزن الشديد وهي تقول: أخص عليك يا يوسف, بجد هزعل أوي لو اعتذرت انت كمان, مش كفاية مراتك يعني؟
ولأنه كان من غير اللائق أن يرفض دعوة كهذه لذا قال بدون حماس يذكر: خلاص, ان شاء الله هاجي.
علياء بسعادة بالغة دفعتها إلى أن تمسك يديه وتضغط عليها بامتنان: أنا كنت متأكدة بانك مش ممكن تكسفني يا يوسف, وخصوصا انك عارف ان أد ايه حضورك مهم بالنسبالي, هستناك بقا ما تنساش, ياللا سلام.
ثم غادرت علياء المكان ويوسف يشيعها بعينيه ولم يعلم أن هناك عينان أخريان تتابعاه من بعيد, وبالطبع لم تكن سوى عيني مريم التي لم يعد لديها أدنى شك في صحة ما قالته علياء.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
انتهى الحفل وعادت كل من حياة و وليد إلى شقتهما بعد أن رفض هذا الأخير دعوة أخيه لقضاء تلك الليلة في الفيللا, كان كل منهما يشعر بارهاق شديد بعد هذا اليوم الطويل المليء بالعمل المتواصل والمجاملات التي لم تنقطع, وقد شعرت حياة بحاجة شديدة إلى أخذ قسطا من الراحة فقالت وهي تتوجه الى حجرة نومها: تصبح على خير.
ولكن أوقفها صوت وليد الهادىء: حياة!
وعندما التقت عيناهما تابع قائلا بكل صدق: أنا متشكر أوي.
حياة: على إيه؟
وليد: على الحفلة, الحقيقة كانت بجد هايلة, وكل المعازيم مشيوا وهم بيشكروا في التنظيم والجو الجميل اللي كنتي عاملاه انتي ومريم.
وعندما لمحت نظرات الاعجاب في عينيه التي أثبب لها أنه كان بالفعل صادقا في شعوره بالامتنان لها وردت وهي تشعر بالارتباك: انا ما عملتش غير واجبي.
فرأته يبتسم وهو يقول لها بلهجة غامضة: ويا ترى بقا أنا ممكن أطمع في انك تكملي واجبك دة.
أساءت حياة فهمه في البداية لذلك شعرت بوجنتيها تحمران خجلا وهي تدعي عدم الفهم: قصدك ايه؟
وجدته يتحدث بجدية مطلقة وبأسلوب عملي: الحقيقة أنا بفكر أعمل حفلة صغيرة هنا في الشقة هعزم فيها طبعا يوسف ومريم وهدى و وكام واحد كدة من رجال الأعمال اللي ظروفهم ما سمحتش انهم يحضروا حفلة النهاردة. انتي ايه رأيك؟
حاولت حياة أن تخفي خيبة أملها وهي تبتسم وتقول: اوك, مفيش مانع, تحب تكون امتى؟
وليد: انا بقول خير البر عاجله ونعملها بعد بكرة, دة مناسب بالنسبالك؟
حياة: اه, مناسب ان شاء الله, بس يبقا قولي ع العدد كله اللي هييجي أول ما تحدده.
وليد: اوك, روحي نامي بقا عشان شكلك تعبانة أوي, تصبحي على خير.
مازال يعاملها بنفس الجفاء ذاته, ولكنها التمست فيه بعض اللين عن ذي قبل لعل ذلك يشير إلى أن هناك أمل ولو ضئيل في استجابته لنداء قلبها الصامت في يوم ما.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
اختلطت ضحكاتهما معا وهي تتعالى شيئا فشيئا وهما يجلسان معا في شقة علياء حيث قال لها عماد بنظرات مليئة بالاعجاب: دة انتي مش ليكي حل, دة الشيطان نفسه يقولك يا أستاذة.
علياء بدلال: تلميذتك يا أستاذ.
عماد: بس تلميذة متفوقة, صحيح واضح أوي انك اخترتي الوقت المناسب اللي تضربي فيه ضربتك.
علياء: لا بصراحة بقا الفضل في الموضوع دة يرجع لماهر هو اللي خلاني أستنى لحد ما ييجي الوقت المناسب, انا كنت هستعجل وأبين التسجيل قبل دلوقت بكتير بس هو قالي انه ما كنش هيبقا ليه مفعول جامد طالما لسة بينهم عداوة, لكن لما شفت نظرات الغيرة النهاردة في عنين مريم وهي بتبصلي وأنا بكلمه عرفت ان دة هو الوقت المناسب, وفعلا كلامي ليها مع التسجيل اللي بصوت يوسف كان ليهم مفعول السحر عليها ولسة.
عماد: انا خلاص بقيت معتمد عليكي في الموضوع دة.
علياء: اطمن, انا زيك بالظبط عاوزاهم يتطلقوا النهاردة قبل بكرة عشان ع الأقل أشفي غليلي, بس انت ليه ما جيتش الحفلة؟
عماد بنظرة خبيثة: أنا زيك بالظبط مستني الوقت المناسب عشان أظهر فيه, لأن واضح جدا ان وليد دة مش سهل خالص, وان التعامل معاه لازم يكون بحرص شديد.
علياء: ماشي يا عمدة بس ما تتأخرش احنا عاوزين نخلص بقا من الموضوع دة بسرعة عشان نشوف شغلنا احنا بقا.
عماد: اطمني, الضربة القاضية لأولاد جلال سليم الاتنين هتكون قريب أوي.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
يُعاد المشهد مجددا, حيث نرى حياة تقف في المطبخ وبرفقتها مريم تساعدها في إعداد الطعام ولكن تلك المرة في شقة حياة نفسها, كانت مريم تفعل ما تطلبه منها حياة بصمت وهي منشغلة البال وقد لاحظت حياة ذلك فسألتها فجأة: مالك يا مريم, مسهمة كدة ليه؟ انتي تعبانة؟
حاولت مريم إخفاء نبرة الألم في صوتها وهي تجيب: لا أبدا, أنا كويسة ما تشغليش بالك.
ثم أرادت إلهاء صديقتها بأمر آخر فسألتها: هو وليد قالك مين اللي هييجي النهاردة؟
حياة وقد بلعت الطعم الذي ألقته مريم: لا, يمكن عشان هو متأكد اني أكيد مش هكون عارفة أي حد من الوسط دة, بس هو قالي انه زيادة علينا هيكون فيه اتنين من رجال الأعمال المهمين.
وسمعت كل منهما صوت الهاتف تتعالى رناته في الخارج إلى أن انقطع فجأة كما ظهر فجأة حيث بدأ أن أحدهم قد تولى الرد عليه, وبعد دقائق قليلة دخل وليد المطبخ وهو يقول لحياة وقد بدا عليه الانزعاج: حياة! فيه واحد من الضيوف اعتذر لأنه حصل عنده ظرف طارىء خلاه يسافر فجأة.
حياة: طيب والتاني؟
وليد: مادام لسة ما اعتذرش يبقا اكيد هييجي. انتوا خلصتوا ولا لسة.
فردت حياة وهي تضع إحدى الأواني في الفرن: تقدر تقول خلاص, يعني كلها ان شاء الله نص ساعة بالكتير وتكون كل حاجة جاهزة.
وبعد مرور نصف الساعة تقريبا أحاط الجميع بطاولة الطعام وكانوا وليد و يوسف وهدى وكذلك عماد شاكر, وكانت هدى تتحدث بتلقائية منقطعة النظير الأخرون يشجعونها مرة بالمديح وأخرى بنظرات الاعجاب, أما مريم وحياة فكانتا لا تزالان في المطبخ لوضع اللمسات الأخيرة, إلا أن سمعتا نداء وليد العالي الذي يستحثهما على الإسراع: هو احنا مش هناكل النهاردة ولا ايه؟ ولا أقول للضيف يفوت علينا بكرة.
ثم أعقبت دعابته ضحكات الآخرين, فابتسمت مريم وهي تقول لحياة: جوزك دة فضيحة. بس ابن حلال.
فنهرتها حياة وهي تحمل طبقا كبيرا محملا بالطعام وتخرج به من المطبخ: طب بطلي غلبة وحصليني بالباقي.
وخرجت حياة متوجهة إلى حجرة الطعام وتزين وجهها ابتسامة حلوة تسحر القلوب, وتقدمت منهم لتضع الطبق الذي في يدها في المنتصف من الطاولة وهي لا ترفع عينيها عنه, فقال وليد مداعبا: يااااااه, كل دة عشان حتة ديك رومي, دة خلاص عماد كان قرب ياكلنا احنا شكل كدة مراته مجوعاه في البيت زي مانتي ما بتعملي فينا دلوقت.
فرفعت حياة حينيها لأول مرة وهي تتمتم بكلمات الاعتذار المعهودة: أنا آسفة, الديك كان لسة…………
ثم ماتت باقي الجملة على شفتيها فور أن تعرفت على الضيف, نعم هو!, انها لم تستطع نسيانه طوال هاتين السنتين الماضيتين, فكيف للضحية أن تنسى وجه الجاني مهما طالت السنوات. ولكن أيعقل أن يكون هو من بين كل رجال الأعمال في الدولة صديق زوجها؟! والتقت عيناهما وقد ظهرت على وجهه علامات الحيرة وكأنه يحاول أن يتذكر أين رأى ذلك الوجه سابقا؟ بالطبع فكيف له أن يتذكر ضحية واحدة من بين ضحاياه التي لا تعلم لهن عددا؟ ماذا تقول؟ بل ماذا تفعل وكيف تتصرف في هذا الموقف الذي لا تحسد عليه؟
وبدأت حياة بالفعل تشعر بالخدر يتسلل إلى كل مكان في جسمها حتى أخذت الدنيا تغيم في عينيها فلم تعد ترى أو تسمع شيئا مما حولها إلى أن أغمى عليها وكان وليد أسرع في ردة فعله حيث تمكن من الامساك بها قبل أن تسقط على الأرض.

الحلقة السادسة والعشرون
*آسف*
كانت حياة مستلقية على السرير و هي لا تزال غائبة عن الوعي وشعرها مبعثرا بشكل عشوائي على الوسادة ومريم تجلس بجانبها وفي يدها زجاجة عطر صغيرة وقطعة قطن تحاول أن تقربها من أنف حياة التي بدأت تحرك رأسها يمينا وشمالا وهي تستعيد وعيها تدريجيا إلى أن فتحت عينيها, فابتسمت مريم وهي تحمد ربها ووضعت ما بيدها على المنضدة الصغير التي بجوار السرير وقالت لحياة وهي تمسح على رأسها بحنان: حمدالله على سلامتك يا حياة, قلقتينا عليكي يا بنتي.
فحاولت حياة النهوض وهي تشعر بالوهن وساعدتها مريم إلى أن استطاعت الجلوس وهي تستند برأسها على الوسادة بالخلف, وضغطت على يد مريم والدموع تتجمع بعينيها وتسألها بتوسل: أنا كنت بحلم يا مريم, مش كدة؟ بالله عليكي لتقوليلي ان كل دة كان مجرد كابوس.
كانت مريم تتمنى أن تؤكد كلامها إلا أنها لم تستطع فنظرت إليها بعيون مليئة بالشفقة وهي تقول: للأسف يا حياة كان حقيقة, عماد شاكر عزالدين كان موجود هنا ولسة ماشي دلوقت وجوزك نزل يوصله بعد ما اتأكد انك بخير وكمان عشان يجيب حاجة من الصيدلية نفوقك بيها.
وما ان سمعت حياة ذلك حتى انهارت تماما وأخدت تلطم وجهها بيدها وتبكي بحرقة وتتفوه بكلام غير مفهوم استطاعت مريم أن تتبين منه القليل بصعوبة حيث كانت تندب حظها: ليه بس كدة يا ربي؟ بعد ما كنت بدأت أنسى؟ بعد ما كنت بدأت أعيش حياتي؟ هو أنا مش مكتوبلي أفرح بقا؟
فجذبتها مريم إلى حضنها وهي تبكي لبكائها و تقول لها مواسية: اهدي يا حياة واستغفري ربنا.
وبالفعل بدأت حياة تردد الاستغفار إلى أن شعرت بها مريم تهدأ قليلا فأبعدتها عنها برفق وأخذت تجفف لها دموعها وهي تقول لها محاولة التفكير بعقلانية: حبيبتي احنا لازم نشوف دلوقت احنا هنعمل ايه في المصيبة دي؟
وكأنها بسؤالها ذلك أثارت دموعها من جديد, فقالت وهي تنتحب: مش عارفة, مش عارفة يا مريم, ياربي بقا من بين كل الناس يطلع دة صاحب جوزي, الانسان اللي دبحني؟
فحذرتها مريم وهي تضع اصبعها على فمها: هسسسس,وطي صوتك عشان يوسف برة وممكن يسمعنا.
حياة: طب قوليلي انتي يا مريم, اعمل ايه؟ وأتصرف ازاي؟
مريم: مفيش غير حل واحد. انتي لازم تقولي لوليد هو الوحيد اللي هيقدر يتصرف في الموضوع دة, واهو كدة كدة عارف كل الحقيقة ومش فاضل غير انه يعرف اسم الشخص دة.
فقالت حياة ترجوها وهي تحتضن يدها بتوسل: لا يا مريم, بالله عليكي بلاش وليد, عشان خاطري يا مريم وليد لا, وليد عصبي ودمه حامي ولو عرف ممكن يقتله, ومحدش عارف الزفت اللي اسمه عماد دة ممكن يعمل ايه؟ دة واطي وندل وممكن يأذيه, وفي الحالتين هخسر وليد.
مريم وهي تبدي تعاطفا معها: امال هتعملي ايه بس؟ ومش جايز كمان عماد هو اللي يقوله؟
حياة: لا, مفتكرش, اللي زي عماد دة جبان ومش ممكن يعترف على نفسه بجريمة زي دي.
فامتثلت مريم لطلبها: خلاص, اللي تشوفيه يا حياة, بس قومي دلوقت ادخلي الحمام واغسلي وشك, عشان وليد مش لازم يشوف الدموع اللي في عنيكي دي.
وساعدتها مريم على النهوض وظلت معها حتى غسلت وجهها, وما ان خرجتا من باب الحمام حتى وجدتا وليد قد لحق بهما, فأسرع يأخذ بيد زوجته يسألها باهتمام بالغ: عاملة ايه دلوقت يا حياة؟ مش أحسن؟ ولا تحبي اتصل بالدكتور؟
فنظرت اليه تمسح تعابير وجهه بعينيها لترى فيه قلق ولهفة كانت تمنى أن تجدهما قبل الأن مما زاد من شعورها بالألم وهي تحاول أن تطمئنة بابتسامة واهنة: مفيش داعي, انا الحمد لله كويسة, كانوا بس شوية ارهاق.
فقال لها وليد لائما نفسه وهو يساعدها على الاستلقاء مجددا على السرير: انا آسف يا حياة, كل دة كان بسببي, ما كنش لازم أتعبك معايا اوي كدة.
فنظرت اليه حياة مطولا دون أن تعلق, فبالطبع لم يكن لديها ما يمكن ان تخفف عنه به, فتولت مريم الأمر وقالت بلهجة مرحة: يا سيدي دي مراتك بس بتدلع علينا شوية.
وليد دون ان يرفع عينيه عن حياة: تدلع براحتها بس ما تقلقناش عليها بالشكل دة.
تساءلت حياة بداخلها ان كان كل هذا القلق والاهتمام الذي يحاول أن يظهرهما لها هما بالفعل ما يشعر بهما بداخله أم أن ذلك ليس الا ستارا يضعه بسبب وجود مريم معهما بنفس الحجرة, ويبدو أن مريم شعرت بما يدور بخلدها فقالت وهي تتجه ناحية الباب: طب بعد اذنكم أنا بقا.
وليد: على فين مريم؟
مريم: هنروح بقا, انا خلاص اطمنت على حياة, ويوسف قاعد لوحده من بدري.
فنظر وليد الى حياة يقول لها: طيب انا هروح أوصلهم وأرجعلك على طول.
فمنعته مريم باشارة من يدها: لا مفيش داعي يا وليد, خليك انت جنب مراتك, احنا عارفين يا سيدي الطريق كويس ومش هنتوه, وكمان احنا مش أغراب يعني للرسميات دي.
ثم وجهت حديثها الى حياة: مش عاوزة أي حاجة يا حياة قبل ما امشي؟
فشكرتها حياة: تسلميلي يا مريم, وربنا ما يحرمني منك.
مريم: طيب ان شاء الله هشوفك في الكلية بكرة؟
فهزت حياة رأسها قائلة: ان شاء الله.
فقالت مريم قبل أن تفتح باب الحجرة ثم تغلقه خلفها: تصبحوا على خير بقا.
حياة و وليد: وانتي من أهله.
وبعد أن غادرت مريم ثم سمعا صوت الباب الرئيسي للشقة ينغلق هو الأحر نظر وليد لحياة وهو يسألها: فيه ايه يا حياة؟ ايه سبب اللي حصلك دة؟ وما تحاوليش تقنعيني انه كان بسبب الارهاق زي ما قولتي قبل كدة.
فقالت حياة وهي تغتصب ابتسامة على شفتيها: امال يعني هيكون ايه بس غير كدة؟
وليد بنظرة صارمة: هو دة اللي انا عاوز أعرفه منك.
فابتلعت حياة ريقها بصعوبة وهي تتساءل بداخلها ان كان زوجها قد لاحظ أي شيء جعله يشك بسابق معرفتها بعماد أم أن عماد قد خالف كل توقعاتها و ألمح له بهذا الأمر؟ ولكنها مع ذلك قررت أن تتمادى في كذبها وهي تدعو ربها ألا تكون كل لشكوكها أي أساس من الصحة: صدقني يا وليد, مفيش حاجة تانية.
رأت حياة نظرة غريبة في عينيه عجزت عن ترجمتها وسمعته يقول لها وهو ينهض تاركا الحجرة: براحتك يا حياة, انا مش هضغط عليكي أكتر من كدة.
وعقب خروجه وبعد أن أغلق الباب خلفه بعنف غطت حياة وجهها بيديها وهي تجهش بالبكاء عاجزة عن تصور ما يمكنه أن يكون في انتظارها في الأيام المقبلة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أوقف يوسف سيارته في حديقة الفيللا, ولكنه لم يوقف المحرك فنظرت إليه مريم متسائلة فرد على سؤالها الصامت: انا وعدت علياء اني هروح الحفلة اللي عاملاها النهاردة, بس مش هتأخر.
فردت مريم بهدوء وكأن الأمر لا يعنيها: براحتك.
ثم اندفعت خارج السيارة وهي تركض تقريبا الى الفيلا تاركة يوسف يتساءل عما أزعجها بهذا الشكل, فهل كانت تفضل الذهاب معه؟ ولكن قد أخبرته علياء بأنها رفضت دعوتها, أم أنها كانت تفضل أن يرفض هو الآخر تلك الدعوة ويقضي الليلة برفقتها؟ حقا لقد بدأ يحتار يوسف جلال في أمر تلك الفتاة ولم يعلم كيف يمكنه أن يرضيها؟ ولكنه قرر في النهاية أن يذهب إلى ذلك الحفل أولا ثم يعود سريعا ليتحدث معها, ثم انطلق بسيارته عاقدا العزم على ذلك.
في حين صعدت مريم إلى حجرتها وهي تكاد لا ترى الطريق أمامها من كثرة الدموع التي انهمرت من عينيها حتى ألقت بنفسها على السرير وصوت بكائها يعلو بشدة بمقدار الألم الذي تشعر به وهي تفكر في موقفه ذلك حيث لم يعد يهمه أن يخفي عنها علاقته بعلياء. أيحاول أن يفهمها بكل بساطة بأنه لا يهتم بأمرها ولا يجب عليها أن تعلق أمالا على علاقتها به, ان كان كذلك بالفعل فليطمئن فهي قد استوعبت الرسالة بكل ما تحمله من معاني.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أما في شقة علياء والتي كانت تحتوي على عدد قليل من المدعوين للحفل المزعوم, فاتجهت صاحبة الحفل ناحية يوسف وهي تحمل في يدها كأسا من الخمر تسحب في يدها الآخرى أحد الرجال وتقدمه إلى يوسف: دة بقا يا سيدي يوسف محمود خطيبي.
فصافحه يوسف بحرارة وود: ألف مبروك, وربنا يتمم بخير.
فرد الأخر: الله يبارك فيك, وأنا سعيد جدا بمعرفة حضرتك.
يوسف: انا أسعد.
ثم نادى أحدهم عليه فاستأذن من يوسف واتجه إلى صديقه, فقال يوسف لعلياء باسما: مبروك يا علياء, واضح انه انسان كويس.
فردت علياء هامسة بدلال: أحسن حاجة فيه ان اسمه على اسمك.
شعر يوسف بالاحراج من فهمه للمعنى الخفي لكلامها فقال وهو يحاول التملص من أي رد يمكنه أن يشجعها على التمادي: طيب أستأذن أنا بقا؟
فتشبثت علياء بذارعه دون أن تخشى من أن يلاحظهما أحد وهي تقول له برجاء: ايه دة؟ بسرعة كدة؟
فحاول يوسف أن يخلص ذراعه منها برفق دون أن ينجح في ذلك وهو يقول معتذرا: معلش بقا تتعوض في الفرح ان شاء الله.
علياء وهي ترفض رفضا تاما أن تدعه يرحل: مش ممكن, دة الحفلة لسة في أولها, وكمان انت لحد دلوقت لسة ما شربتش حاجة.
يوسف: معلش, اعفيني المرادي.
علياء وهي تقدم له الكأس الذي بيدها: ليه بقا؟ انت مش عاجباك الشمبانيا بتاعتي ولا ايه؟ طيب حتى دوقها الأول.
فقال يوسف رافضا عرضها: لا مش كدة, انا فعلا مش ليا مزاج النهاردة.
علياء وهي تمط شفتيها بغير رضا: مش ليك مزاج ولا المدام هي اللي حرجت عليك؟
فهز يوسف رأسه نافيا: مريم ملهاش دعوة, كل الموضوع ان بالي مشغول شوية, ومش هقدر أشرب النهاردة.
فقالت علياء بدلال مستخدمة كل أسلحتها الأنثوية في هذا الرجاء وهي تقرب الكأس من فمه: طيب ولو قولتلك عشان خاطري بردو هتقول لا؟
لم يستطع يوسف أن يحرجها فأخذ منها الكأس وبدأ يتجرع محتوياته ببطء وعلياء تعلو وجهها نظرة شيطانية تثبت أنها قد حققت انتصارا كبيرا في هذه الجولة أيضا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
صعد يوسف الدرج في فيللته متجها إلى حجرة نومه بخطوات بطيئة وثقيلة حيث بدا عليه أنه قد تناول كمية ليست بالقليلة من المسكرات, ثم فتح باب الحجرة بحذر شديد خوفا من ازعاج مريم التي خمن بأنها الآن تغط في نوم عميق وقد صدق حدسه عندما وجد أن الغرفة غارقة في ظلام دامس, فأغلق الباب بنفس الحذر وتوجه ناحية الباب الصغير الذي يصل بين الحجرتين إلى أن أوقف صوتها الذي لا يدل على أنها قد ذاقت طعم النوم: حمدالله ع السلامة.
فتحسس يوسف طريقه إلى أزرار الإضاءة التي كانت قريبة منه وضغط على أحدها فأضيئت الحجرة ليرى مريم جالسة على سريرها وكأنها كانت بانتظاره, فقال يوسف بابتسامة هادئة: مريم! أنا آسف كنت فاكرك نايمة, مساء الخير.
فأشارت مريم باتجاه الساعة الكبيرة المعلقة بالحائط وهي تقول: قصدك صباح الخير, بتهيئلي دة اللي المفروض يتقال الساعة اتنين الصبح.
تجاهل يوسف سخريتها الواضحة, وقال محاولا أن يبدو صوته مرحا بقدر الامكان: ولما انتي عارفة ان الساعة اتنين ايه اللي مصحيكي لحد دلوقت؟ انا على حسب علمي انك كنتي ما بتحبيش السهر.
فنهضت مريم من على السرير وهي تقترب منه قليلا: ولسة لحد دلوقت بردو ما بحبش السهر,بس شكلي هتعلمه على ايدك قريب.
لم يتحمل يوسف تلك المراوغة في كلامها, فقال بنفاذ صبر واضح من لهجته: انتي عاوزة ايه بالظبط يا مريم؟
مريم بصوت قاطع: عاوزاك تطلقني يا يوسف.
فنزل كلامها على يوسف كالعاصفة وردد خلفها وكأنه لم يستوعب ما قالته جيدا: أطلقك؟! ليه يعني؟ ايه اللي جد عشان تطلبي طلب زي دة؟
يوسف وصوتها يحتد كثيرا: اللي جد اني ما بقتش قادرة أستحمل الحياة دي خلاص, تقدر تقولي انت كنت فين دلوقت؟
يوسف ببساطة: مانا قولتلك اني كنت عند علياء.
مريم وقد أغاظها رده الغير مبالي كما وصفته: بتعملوا ايه؟
يوسف مستوضحا سؤالها المبهم: يعني ايه بنعمل ايه؟ وايه لزوم الاستجواب دة كله؟
مريم بتحد: ايه؟ مش من حقي؟
يوسف: وانتي شايفة انه من حقك؟
مريم وهي تستعيد رشدها تدريجيا ولكن قد ازداد عنادها أكثر: لا يا يوسف, مش من حقي, ولا عمره هيكون من حقي عشان كدة انا بطلب منك انك تطلقني.
يوسف وقد ضاق ذرعا من هذا الجدال العقيم: طب روحي نامي دلوقت يا مريم, وبكرة يبقا نتكلم في الموضوع دة.
مريم باصرار: ما بقاش فيه بكرة خلاص يا يوسف, انا مش ناوية أقعد هنا دقيقة واحدة بعد كدة, طلقني وانا هرجع فيللة جدو دلوقت.
وبالفعل كان صبره قد نفذ وهو يصرخ فيها قائلا: انا نفسي أعرف هو كان حصل ايه لكل دة؟
مريم بعد أن فلت من يدها الزمام ولم تعد تستطيع التحكم في أعصابها بعد الآن, فقالت بصوت وصل الى حد الصراخ: كل دة وبتسألني حصل ايه؟ أبدا يا يوسف ما حصلش حاجة, كل الحكاية ان الانسان اللي المفروض انه جوزي مش عامل لكرامتي اي اعتبار وهو راجع سكران بعد ما قضى طول الليل مع واحدة تانية والله أعلم كانوا بيعملو ايه طول الوقت دة؟
: مريم!
خرج صوته محملا بكل ما يشعر به من غضب فعلمت مريم أنها ربما قد أصابت الهدف فقررت أن تزيد من اسفذاذها له علها تصل لغرضها: انا ميهمنيش انت تعرف كام واحدة أو بتقضي لياليك فين يا يوسف لآننا متفقين من الأول اننا هنتطلق بعد فترة معينة, وبتهيئلي ان جدو خلاص صحته اتحسنت وهيقدر يستحمل الخبر وأنا هكتبلك تنازل عن كل حقوقي.
فقال يوسف ساخرا: وانتي شايفة بقا اني مش هقدر أدفعلك المبلغ الهايف دة دة اذا يعني وافقت اني أطلقك؟
فتداركت مريم خطأها سريعا وهي تقول: دة ما كنش قصدي, انا كنت أقصد ان أنا مش من حقي أخد منك أي حاجة. ع العموم الموضوع دة يبقا اتفاهم فيه مع جدو. المهم عندي دلوقت انك تطلقني.
يوسف: وان رفضت؟
مريم: مفيش أي سبب يخليك ترفض, لأن الطلاق هو أفضل حل لمشاكلنا دي, احنا لازم نتطلق يا يوسف عشان كل واحد فينا يقدر يعيش حياته بقا بالطريقة اللي هتريحه.
يوسف بنظرة شك: تعيشي حياتك ازاي يعني؟ قصدك انك تتجوزي حد تاني؟
وبالرغم من أن هذا الأمر لم يخطر ببالها قط إلا أنها قد قررت أن تثيرا الشك في نفسه كما يحدث بداخلها الآن: وليه لا؟ مفتكرش ان فيه حاجة ممكن تمنعني.
فقال يوسف وقد لاحظت أنه أنه يكتم غضبه: اللي هيمنعك حاجة واحدة يا مريم وهو انك لسة مراتي وأنا مش ناوي اني أطلق ع الأقل دلوقت.
مريم: أمال امتى يعني؟
يوسف: لما يجيلي مزاجي.
مريم: بس أنا بقا مش هستنى لما يجيلك مزاجك دة, أنا هطلق يا يوسف سواء برضاك أو غصب عنك.
فاقترب منها يوسف وهو يوجه إليها نظرة خطرة: قصدك ايه؟ وازاي هتتطلقي مني غصب عني؟
علمت مريم بأنها قد تمادت كثيرا في استفزازه ولكنها لم ترد أن تتراجع عما بدأته فاسترسلت في حديثها وهي تحاول أن تخفي مقدار الرعب الذي بدأت تشعر به: هرفع قضية طلاق وهكسبها.
فاتسعت عيناه من شدة الصدمة وكأن عقربة لسعته, ولكن كعادته فقد تدارك الأمر سريعا وقال لها بصوت بارد كالثلج: وتضمني منين بقا انك هتكسبيها؟
ارتعش صوتها قليلا وهي تجيب: المحامي قالي ان طالما جوازنا لسة ع الورق وبس فيبقا سهل أوي إن أي قاضي يحكم لصالحي في القضية.
يوسف بصوت لاذع وهو يقترب منها أكثر: وكمان سألتي محامي! دة واضح انك خلاص جهزتي لكل حاجة, بس اسمحيلي بقا يا مريم اني أبوظلك كل خططك دي عشان بعد كدة ما اسمعش كلمة الطلاق دي تاني على لسانك.
ثم جذبها من ذراعها إلى حضنه بكل قوة وقد ظهر الذعر بعينيها وهي تسأل: انت هتعمل ايه؟
يوسف بكل هدوء: ناوي اني أحطم السبب اللي ممكن يخلي القاضي يحكم لصالحك في القضية.
وعندما استوعبت مريم كلامه جيدا شعرت برعب حقيقي يغزو كل كيانها وحاولت أن تثنيه عن قراره بالتوسل وبجمل عشوائية كالطفل الذي يحاول أن يتهرب من العقاب: لا يا يوسف أرجوك, انا اسفة ما كنتش أقصد, وهستنى لما انت تطلقني. مش هرفع قضية.
ولكن بدا أنه لم يتأثر بكل توسلاتها وهو يقول لها بكل تصميم مقربا وجهه منها: بس أنا بقا يا مريم مش ناوي أطلقك لا دلوقت ولا بعدين ومن النهاردة هتبقي مراتي قولا وفعلا.
وحاولت مريم أن تقاومه بكل ما لديها من قوة وهي تهدد حينا وتتوسله حينا ولكن بدأ أنه قد أصم أذنيه عن كل ذلك, وقد علمت مريم أنها لن تستطيع ردعه ليس لتفوقه الجسامني وحسب بل لأنها شعرت وكأنها تقاوم نفسها أيضا فقد كان هناك شيئا بداخلها يتمناه زوجا لها تكمل معه الباقي من حياتها رغم كل ما سمعته من علياء وهو ما لا تستطيع تصديقه بالكامل وتحاول نسيانه الأن فمهما كان يوسف ذلك الوحش المستغل الذي وصفته لها علياء إلا أنه هو أيضا نفس الشخص الوحيد الذي تحركت له مشاعرها, وفي النهاية استسلمت له بل لنقل أنها استجابت أخيرا لنداء القلب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي صباح اليوم التالي, استيقظت مريم من نومها لتبحث عن يوسف في كل مكان حولها فلم تجد له أثرا حتى كادت تشك بأنه لم يعد إلى الفيللا بالأمس وكل ماحدث كان مجرد حلما عاشته وانتهى, ولكنه بالطبع لم يكن كذلك, إذن فأين ذهب؟ ثم ألقت نظرة خاطفة إلى ساعة الحائط لتكتشف أنها لم تتجاوز العاشرة صباحا, ويوسف في المعتاد لا يذهب إلى شركته إلا حوالي الساعة الحادية عشر, فما بالك اليوم؟
ثم تساءلت بداخلها إذا ما كانت بالفعل ترغب في رفقته بعد كل ما حدث؟ وكان الجواب نعم.
وحينها أدركت مريم لدرجة اليقين بأنها تحبه, بل تعشقه, ومستعدة أيضا لأن تغفر له كل ما حدث بالسابق ليبدآن معا حياة جديدة أساسها الحب والتفاهم, كما أنها أدركت أن ما كان يمنعها من الاعتراف بحبه هو كبريائها الذي أصبحت على استعداد للتخلي عنه الآن لتبوح له بكل مشاعرها, ولكن ياترى أين هو الآن؟ ثم التقطت هاتفها وهي عازمة على الاتصال به ولكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة وقررت أن تنتظر حتى يعود فهو حتما لن يتأخر وهي ستكون في انتظاره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تقف تتجه ناحية باب الجامعة الرئيسي وهي تضع هاتفها الجوال بالقرب من أذنيها وتقول: المهم يا حبيبتي انك بخير انا بس قلقت عليكي لاننا كنا متفقين اننا هنتقابل النهاردة, بس ياللا خير ان شاء الله……اشوفك بكرة بقا؟……ايه؟…كمان مش هتيجي بكرة؟….. يا مريم طيب فهميني هو فيه حاجة؟ ……. طيب انتي تعبانة لاقدر الله؟……..طيب تحبي اجيلك؟……. اوك يا حبيبتي يارب دايما تكوني بخير…… مع السلامة ويبقا طمنيني عليكي.
وأنهت حياة المكالمة وقد خرجت من الجامعة في انتظار أن تعبر الطريق, ولكن لفت انتباهها ما لم يكن في الحسبان, فقد رأت هدى تتجه مسرعة ناحية إحدى السيارات الملاكي وهي تبتسم وفي غاية السعادة ثم فتحت الباب المجاور للسائق ثم انطلقت بها السيارة إلى المجهول, ولكن قبل أن تتحرك السيارة استطاعت حياة أن تتبين صاحبها والذي يمتاز بملامح يصعب على حياة نسيانها فهو بالتأكيد عماد شاكر عزالدين.
تسمرت حياة مكانها للحظات وهي تحاول أن تستوعب ما رأته منذ لحظات وهي لا يخطر في بالها سوى أمر واحد ألا وهو أن هدى أصبحت في خطر وهي لا يمكنها أن تقف هكذا مكتوفة اليدين لا تقدر على عمل شيء, فيجب أن تحاول انقاذها بشتى الطرق, ولكن بما أن هدى لم تلتق بعماد سوى بالأمس فهو لا يزال أمامه بضعة أيام ليستطيع أن يستدرجها إلى شقته هكذا كانت تسمع عنه وهو ما جعلها تحذر من التعامل معه لذا استخدم إحدى طرقه الملتوية معها, ولكن هذا لا يمنع أن عليها التفكير سريعا في حل لتلك المشكلة الجديدة والتي أُضيفت لمشاكلها المتعددة.
عبرت حياة الطريق شاردة تقريبا ولكن ذلك لم يمنعها من ملاحظة تلك السيارة التي كانت تقف قريبة من سيارة عماد التي رحلت وعندما مرت بها أثبتت صحة شكوكها وهي أنها قد رأت تلك السيارة من قبل وتأكدت من ذلك حين رأت ماهر يستند بمرفقه عليها وبدا أنه قد رأى ما رأته منذ قليل, ولكن ما الذي أى به في ذلك الوقت بالذات؟ وأرادت أن تتحقق من الأمر وأن تكتشف منه ما ينوي على فعله, فاقتربت منه قليلا وهي تقول باسمة محاولة إخفاء توترها: السلام عليكم, ازيك يا أستاذ ماهر, عامل ايه وإيه أخبار طنط وردة.
فأجاب ماهر بوجوم: الحمد لله بخير.
بدا أنه ليس في حالته الطبيعية ولكن ذلك لم يثنيها عن الاستمرار في المحاولة وقررت أن يكون سؤالها مباشرا: هو انت ايه جابك النهاردة هنا؟ انت ليك حد في الجامعة مستنيه؟
فرد ماهر بسخرية مريرة وهو يتطلع الى الطريق الذي انطلقت فيه سيارة عماد: كنت مستنيه, بس اظاهر كدة اني وصلت متأخر.
وقد صدق حدثها عندما توقعت أن ماهر يكن عاطفة من نوع ما ناحية هدى وقررت أن تستغل ذلك لصالحها فقالت بنبرة تشبه التوسل: ارجوك ياريت لا يوسف ولا وليد يعرفوا أي حاجة.
بالطبع لم يكن ماهر بحاجة إلى التوضيح حيث بدا أنها تقصد ما حدث منذ قليل على مرأى منهما فهز ماهر رأسه موافقا وهو يقول: اطمني يا مدام حياة, محدش فيهم هيعرف, بس يبقا قولي لهدى تاخد بالها من نفسها.
تعمدت حياة أن تبدي جهلها بتحذيره المبطن فقالت له مبتسمة: هدى لسة عيلة صغيرة, وزي كل البنات بتحلم انها تخرج وتتفسح وتعيش حياتها يعني.
ماهر ساخرا: وهي فاكرة بقا ان عماد دة آخره فسحة وخروجه؟ يبقا مجنونة وبتلعب بالنار اللي مش هتحرق أي حد غيرها.
ثم غير الموضوع سريعا وهو يفتح باب سيارته ويقول لها بود: لو حضرتك مروحة اتفضلي أوصلك.
فاعتذرت حياة سريعا: لا معلش, انا اسفة. انا بحب اتمشى وكمان البيت مش بعيد, عن اذنك.
وتركته حياة وكلماته كانت لا تزال تتردد في عقلها حين قال: و هي فاكرة بقا ان عماد دة آخره فسحة وخروجة؟
ياليته يعلم أنها أعلم الناس بنوايا هذا الشخص الوضيع ولكن هيهات أن تعترف أمام أي أحد بتلك الحقيقة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ارتدت مريم أفضل ثيابها المناسبة للخروج, ثم جلست أمام التسريحة لتستخدم بعض أدوات الزينة التي لم تكن تعرف كيف تستخدمهم حتى الآن ولكن اليوم هو مميز بالنسبة لها وتريد أن تظهر في أبهى صورة ممكنة, وقامت بتثبيت الطرحة فوق رأسها بشكل رائع, فقد كان كل شيء بها يوحي بالكمال, ثم أسرعت تنزل درجات السلم ونادت بصوتها الناعم على الخادمة, فجاءتها تلك السيدة العجوز وسألتها مريم والسعادة تشع من عينيها: ام ابراهيم, هي هدى نامت؟
أم ابراهيم: من بدري يا بنتي, هي جات من كليتها تعبانة فكلت ونامت على طول, تحبي أجهزلك العشا؟
مريم: لا, انا هستنى يوسف, والا أقولك؟ روحي انتي كمان نامي شكلك تعبانة.
أم إبراهيم: ازاي بس يا بنتي انام قبل ما الباشمهندس ييجي وأجهزلكم العشا؟
مريم: لا, ماهو احنا احتمال نخرج ونتعشا برة. ما تشغليش نفسك انتي.
أم إبراهيم مستسلمة: اللي تشوفيه يا بنتي, ع العموم لو احتجتوا أي حاجة صحيني, تصبحي على خير.
مريم: وانتي من أهله.
وعندما أدرات الخادمة وجهها مستعدة للذهاب إلى حجرتها نادتها مريم: ام ابراهيم!
فتوقفت السيدة ونظرت اليها متسائلة: خير يا بنتي؟
مريم متردد: هو أنا كدة حلوة؟
تعجبت الخادمة من السؤال في البداية ولكن سرعان ما قالت بابتسامة واسعة وبلهجة مليئة بالصدق: زي البدر في ليلة تمامه, الله أكبر عليكي, ربنا يحرسك من العين ويهديلك الباشمهندس.
فقالت مريم وهي تؤمن على دعائها: الله يا أم إبراهيم, ما تعرفيش أنا أد ايه كنت محتاجة للدعوة الأخيرة دي, ياللا بقا تصبحي على خير.
وذهبت السيد, فجلست مريم على الأريكة في انتظار زوجها الذي قد تأخر قليلا عن موعده, ولكن مهما تأخر فستنتظره, وعدى ما يقرب من الساعة قبل أن تسمع مريم صوت باب الفيلا ينفتح ثم يغلق مرة أخرى. وكادت تقفز من مكانها لتستقبله, ولكن قد تغلب صوت العقل بداخلها فقررت أن تنتظره في مكانها بكل ثبات, وماهي هي إلا لحظات حتى أصبح يوسف أمامها وبدا أنه لم يلحظ التغيير الذي قد أحدثته بنفسها حيث قال لها بوجوم: مساء الخير.
فردت مريم بخيبة أمل ظهرت بوضوح في نبرة صوتها: مساء النور.
سألها مريم وهي يتفحص ثيابها بنظرة سريعة: انتي خارجة؟
وكانت تلك الصدمة الثانية التي تتلقاها منه منذ وصوله, فل هذا فقط هو ما لاحظه؟ فأين تلك الكلمات الرقيقة والحنونة التي منت نفسها بسماعها طوال اليوم وهي تختار تلك الثياب بعناية فائقة بعد أن أخرجت كل الثياب تقريبا من خزانتها, ولكنها لم تفقد كل الأمل فردت عليه: يعني على حسب.
فقال يوسف وهو يحاول تجنب النظر اليها وهي لم تكن المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك منذ عودته كما لاحظت مريم ولاحظت أيضا مدى التوتر الذي يتخلل صوته على غير المعتاد كما انه ما زال واقفا مكانه لم يبد أي رغبة للجلوس: مش فاهم يعني ايه؟
مريم: يعني على حسب الكلام اللي هنقوله دلوقت.
ونهضت من مكانها كي تستجمع القليل من شجاعتها وهي تقول: يوسف احنا لازم نتكلم مع بعض شوية.
يوسف موافقا دون أن يبدي أي حماس لذلك بعكس ما كانت تشعر هي به: عندك حق, احنا فعلا لازم نتكلم مع بعض, انا حقيقي في كلام كتير عاوز اقولهولك بس لأول مرة في حياتي أحس إني مش عارف أبدأ ازاي؟
هل ما تسمعه الآن هو حقيقي؟ فهل في نيته أن يبدأ هو ويعترف بحبه لها؟ ليتها تكون الحقيقة, فهذا بالفعل ما تتمناه فهو بذلك سيوفر عليها الكثير من الخجل الذي بدأ يورد خديها.
: مريم! أنا آسف!
لم تدر مريم إن كانت كلمة الاعتذار تلك قد خرجت عن يوسف أو عن أي شخص آخر مما جعلها تتلفت حولها لتحقق من ذلك, وحين لم تجد أحد غيرهما بالمكان أيقنت بأنه هو من تفوه بتلك الكلمة فرددت بدون وعي: آسف!
بالطبع لم يمكنها استيعاب الأمر, فلقد أهبت نفسها لسماع الكثير من الكلمات منه ولكن لم يكن من ضمنها تلك الكلمة, وبينما ظلت واقفة في مكانها لا تقو على الحراك أو حتى التفوه بأي كلمة أخرى, سمعته يسترسل في كلامه قائلا: انا فعلا اتسرعت امبارح, كنت شارب كتير وتقريبا ما كنتش في وعيي الكامل علاوة على ان كلامك استفذني لدرجة خليتني اتهورت وما قدرتش اتحكم في تصرفاتي, مريم كل اللي بطلبه منك انك تقدري تسامحيني, وأنا مستعد لأي تعويض.
و كالعادة رددت مريم خلفه دون وعي: تعويض!
وبدا انه قد لاحظ أخيرا أنه قد استخدم كلمة غير مناسبة تماما, لذا حاول معالجة الأمر سريعا فقال: آسف, انا قصدي اني مستعد أنفذلك أي طلب تطلبيه مهما كان في سبيل انك تغفريلي الغلطة دي.
مابه؟ فهل سيستمر في إهانتها هكذا بينما هي تقف جامدة لا تستطيع الرد عليه أو ايذاؤه بأي كلمة؟ وبدا أنه ينتظر قرارها, أو بالأحرى ينتظر طلبها الذي يرى بأنه سيكون التعويض المناسب عن خطأه كما يسميه: طلقني يا يوسف.
خرجت الكلمة من فمها كالطلقة النارية بعد أن طنت بأنها عاجزة عن إخراج صوتها, فنظر اليها يوسف وبدا ان طلبها ذلك لم يدهشه كثيرا, وعلى عكس مااد توقت من أنه سيصر على رفضه إلا أنها وجدته يقول بإذعان: حاضر, لو هو دة اللي انتي عاوزاه , انا هعمله. بس ممكن نأجله شوية؟
مريم باصرار: النهاردة يا يوسف, انا مش هقدر أعيش معاك ولا لحظة تانية وأنا في عصمتك. انا هطلع ألم هدومي عشان خلاص ما بقاليش مكان هنا.
وانطلقت مريم صاعدة الدرج وهي تجر أذيال الخيبة, فلم تكن هذه هي النهاية التي تتوقعها لتلك الليلة, بل لم يكن في حسبانها على الإطلاق بأنها ستكون الليلة الأخيرة لزواجهما.

———–———-———————-————

ونكمل في الحلقات القادمة ماتنسوش تعلقوا علي الحلقة في صفحة مدام طاسة والست حلة

 الى اللقاء في الحلقات القادمة

بقلم الكاتبة: رحاب حلمي

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى