ترفيهمسلسل غريبه في عالمك

مسلسل غريبه في عالمك الحلقة السابعة والثامنة والعشرون

الحلقة السابعة والعشرون


*بين براثن الثعلب*
كانت تلك هي إحدى المرات القلائل التي يخرج فيها عبدالرءوف الكامل عن هدوئه وهو يقول والغضب يتأجج في عينيه وهو يقف مستندا على عكازه: وهو احنا من امتى يا يوسف وعندنا بنات بتتطلق؟
كان يوسف يجلس أمامه في حالة من السكينة والاستسلام كما لم يره عبدالرءوف من قبل وهو يرد بصوت يسمعه بالكاد كل من عبدالرءوف و ابنته وردة التي كانت تجلس على كرسي في مواجهة يوسف حزين على مصير ابنة أخيها من جهة ووقلقة على والدها من الانفعال الزائد الذي حذره منه الأطباء من جهة أخرى: مريم مصرة وما كنش ينفع اني أجبرها انها تعيش معايا غصب عنها.
فانفعل عبدالرءوف أكثر وهو يقول: يعني ايه مصرة؟ وانت اصلا من امتى وانت بيهمك رأي حد تاني؟ جرى ايه يا يوسف؟ هو اي ست بتطلب الطلاق من جوزها بيطلقها؟ بالشكل دة ما كنش فيه أي جواز استمر لحد دلوقت.
يوسف: بس المرادي مختلفة, وصعب اوي ان مريم تتراجع عن قرارها.
عبدلرءوف بشك: ليه يعني؟ وهو حصل ايه بينكم لكل دة؟
وعندما لم يتلق أي رد من يوسف فلم يصر على سؤاله بل قال وقد خرج صوته رزينا: ع العموم خلاص, وكويس انك ما اتسرعتش وطلقتها قبل ما تيجو, فسيبها قاعدة معانا شوية لحد ما تهدى وبعدين هيبقا لينا كلام تاني.
يوسف: اللي تشوفه.
ثم نهض مستعدا للرحيل: طيب عن اذنكم انا بقا.
عبدالرءوف: مع السلامة
وبالفعل رحل يوسف, فنظر عبدالرءوف الى ابنته يسأله باهتمام: هي مريم لسة صاحية؟
وردة بنبرة حزينة: انا سيبتها كانت لسة صاحية ويا حبة عيني وشها بقا زي الليمونة من كتر العياط ورافضة انها تتكلم مع أي حد.
عبدالرءوف: طيب انا طالعلها.
فنهضت وردة عارضة مساعدتها: طيب تحب أطلع معاك يا بابا؟
عبدالرءوف رافضا: لا , خليكي انتي, انا عاوز اتكلم ماها لوحدنا, ولما نشوف أخرة العناد دة ايه؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلس وهي تغطي وجهها بين ركبتيها وقد جفت دموعها من كثرت مريم في حجرتها القديمة بفيللا عبدالرءوف الكامل التي لم تكن تتخيل أنها ستعود إليها بتلك السرعة بعد ثلاثة شهور فقط من زواجها الذي رغم تنبؤها بفشله منذ البداية إلا أنها لم تكن تتوقع له تلك النهاية, كانت مريم تستعيد في ذاكرتها كل ما سمعته من يوسف في لقائهما الأخير وكلمة آسف التي رددها على مسامعها وقد جرحتها أكثر مما تداويها على عكس ما كان يظن, ثم أخذت تفكر ما الذي جعله يتغير إلى هذا الحد بين ليلة وضحاها؟ وكان الجواب في كلمات علياء التي كانت قد حذرتها منه, فهل ما حدث يعني بأنها كانت على حق؟ وأن يوسف قد اعتذر منها فقط لأنه لم يرد لعلاقتهما أن تتطور إلى تلك الدرجة التي يصعب عندها الانفصال؟ هل كان هذا سبب اعتذاره لها؟
سمعت مريم طرقا على الباب فمسحت وجهها بيديها سريعا من أثر الدموع وهي تسأل: مين؟
فرد الطارق: أنا جدك يا مريم افتحي.
مريم: اتفضل يا جدو.
فدخل عبدالرءوف وأغلق الباب خلفه, ثم اقترب من حفيدته وجلس بجوارها وهو يتأمل وجهها الحزين بدقة وقلبه يتفطر من الألم بسببها, ولكنه لم يدعها تشعر بذلك فسألها وهو يبتسم: عاملة ايه دلوقت يا مريم؟ مش أحسن؟
فقالت مريم دون أن تشعر بأي تحسن فعلي بداخلها: اه, الحمد لله. خلصتوا إجراءات الطلاق؟
عبدالرءوف مشككا: انتي لسة مصرة ع الموضوع دة.
مريم: طبعا يا جدو, انا مش هقدر أعيش يوم تاني بعد النهاردة وانا لسة في عصمته.
عبدالرءوف بحكمة و لطف: شوفي يا مريم, انا مش هتدخل في خصوصياتكم واسألك ايه اللي حصل؟ بس كل اللي أحب اقولهولك يا بنتي ان الطلاق دة مش حاجة سهلة كدة زي مانتي متصورة, دة بيت بحاله بيتخرب يا بنتي, وكمان انتو لسة ما كملتوش تلات اشهر ويمكن تكونوا لسة معرفتوش بعض كويس واللي حصل بينكم دة أيا كان كان مجرد سوء تفاهم, عشان كدة لازم تدي نفسك فرصة توزني الامور بعقلك أد عواطفك وأنا واثق انك هتغيري رأيك.
نظرت مريم إلى جدها وهي في حيرة من أمرها, أستخبره بما اكتشفته وسمعته من علياء الآن؟ وهل سيصدقها؟ أم أن ثقته بيوسف ستحول بين أن يصدق أي كلمة سيئة عن هذا الرجل الذي يضعه في منزلة ولده؟
ثم انتبهت مجددا على صوت جدها وهو يقول: قولتي ايه يا مريم؟
لم ترد مريم أن ترى نظرة الأمل التي تملأ عينيه تتحطم فجأة بكلمة منها, ولكنها لا تستطيع أن تتعلق بمزيدا من الأوهام, أو أن تسمح لرجل كيوسف أن يخدعها مجددا, لذا خرجت كلمتها الفاصلة تقول: لا يا جدو, انا عاوزة أطلق و النهاردة مش بكرة.
بدا أن عبدالرءوف قد استنفذ كل أسلحته لاقناعها, لذلك قرر استخدام سلاحا جديدا قلما يستخدمه مع مريم, فقال لها بصوت قاطع ونبرة لا تقبل النقاش وهو ينهض من على السرير: وانا هخليه يطلقك يا مريم, بس مش دلوقت, لان لو خبر طلاقك وصل للبلد الايام دي هتبقا فضيحة احنا مش أدها.
ثم تركها دون ان يسمع منها اي كلمة اعتراض واحدة على قراره.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف فيللته بوجه مهموم جعله يبدو أكبر كثيرا من عمره الحقيقي, وقد كان كل من وليد ومريم وهدى بانتظاره, وفور أن رآه وليد علم بأن الأمر خطير كما توقع تماما فنهض سريعا واتجه إلى أخيه وهو يسأله باهتمام شديد: يوسف! فيه ايه؟ مالك؟ من ساعة ما اتصلت بيا وقولتلي هات مراتك وتعالى وانا قلقان وحاسس ان فيه حاجة ما تطمنش؟ هي فين مريم؟
يوسف بصوت ثابت بعيدا كل البعد النزاع الدائر بداخله: مريم عند جدها؟
وهنا سألت حياة بصوت قلق: ليه؟ خير! هو حصل حاجة؟
وعندما لم يرد يوسف على سؤالها قررت صياغته بشكل آخر فسألت: طب هي بخير؟
فهز يوسف رأسه موافقا مما أراح حياة قليلا, وقال يوسف محدثا وليد: المهم, انا اتصلت بيكم دلوقت لأني مسافر بكرة الصبح لبنان, وطبعا مش هينفع أسيب هدى لوحدها, و أم إبراهيم بحكم السن طبعا مش هتعرف تاخد بالها منها, وتقدروا تستخدموا العربية بتاع مريم توديكم وتجيبكم سوا من الكلية.
فاندفعت هدى تقول محتجة: انا مش صغيرة ومش محتاجة حد ياخد باله مني.
فأشار إليها يوسف بإصبعه محذرا وعينيه تنذر بالخطر وهو يقول مشددا على كل كلمة: اللي أنا قولته هيتنفذ بالحرف الواحد, ومش عاوز أي كلمة زيادة, واتفضلي ياللا روحي اطلعي اوضتك.
وعندها رأى أنها لم تحرك ساكنا ارتفع صوته قليلا وهو يقول: حالا.
وتنفيذا لأمره صعدت هدى الدرج دون أن تتفوه بأي كلمة, وأشار وليد بعينيه إلى زوجته ففهمت الاشارة وقالت لهما قبل أن تحذو حذو هدى: تصبحوا على خير.
وظل وليد ويوسف وحدهما بالمكان, فقال وليد بعد أن تأكد من خلو المكان تماما ومن أنه ليس بمقدور أحد سماعهما: أدينا بقينا لوحدينا يا سيدي, قولي بقا, زعلت مراتك ليه؟
فقال يوسف وهو يلقي بنفسه على أقرب كرسي له: تقدر تقول كدة اني حسيت اني ما استاهلهاش.
وليد ساخرا: ياراجل! انت جاي تقول كدة دلوقت!
يوسف: تقول ايه بقا؟ اهو اللي حصل.
شعر وليد بحجم المرارة التي يتحدث به أخيه فقال وهو يجلس على كرسي آخر بالقرب من يوسف وهو يدقق النظر إلى عينيه: بس انت بتحبها بجد يا صاحبي ودة يخليك جدير بيها.
يوسف بألم: مش كفاية, انا ليا حياتي ومريم ليها حياة تانية مختلفة تماما عني عاملين بالبط زي الخطين المتوازيين اللي عمرهم ما هيتقابلوا.
وليد: بس دة في الهندسة يا صاحبي, لكن الحياة ليها حسابات تانية, يعني ببعض التنازلات هتتقابوا بشرط انكم انتو الاتنين تكونوا عاوزين كدة.
يوسف ساخرا: طيب مانت بتعرف تنصح غيرك كويس اهو , ما بالمرة بقا تنقي لنفسك نصيحة كويسة كدة يمكن تنفع معاك وتقدر تصلح علاقتك بمراتك.
وليد: لسة يا يوسف, لسة فيه حاجز بيني وبينها لما يتشال ساعتها بقا هنقدر نعيش صح. المهم بقا, ايه موضوع سفرك الجديد دة؟
يوسف: هو بردو كان جديد عليا, انا اصلا لسة واصلالي الأوامر النهاردة.
وليد: ع العموم يبقا خلي بالك من نفسك يا صاحبي.
يوسف: سيبها على الله, ياللا بقا اطلع اوضتك عشان تنام وتبقا فايق بكرة في الشغل يا وليد بيه.
استطاع وليد أن يتبين نبرة المرح في صوت أخيه, فرد عليه بمثلها وهو ينهض: ماشي يا يوسف بيه, تصبح على خير.
يوسف: وانت من أهله.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة قد أبدلت ثيابها ببيجاما تخص وليد حيث لم تكن قد أحضرت ثيابا لها, فهي لم تأت اليوم بغرض المبيت,وبما أن تلك البيجاما كانت تبدو طويلة عليها فقامت بثني رجليها وكذلك الكمين أما بالنسبة لاتساعها فلم تجد أي وسيلة لتداريه, وقفت حياة في الحجرة تتأملها بعناية ودقة حيث كانت المرة الأولى لها التي تدخلها بل قد شارت إليها مريم في إحدى زياراتها القليلة للفيلا ولكن لم تحاول أن تدخلها من قبل, فكانت غرفة واسعة تشمل خزانة ثياب كبيرة وكذلك تسريحة عريضة وكرسيين وأريكة مريحة وباب صغير يؤدي إلى حجرة حمام خاصة بها, ثم اتجهت عيناها إلى ذلك السرير العريض الذي يتسع لأكثر من شخص وبالرغم من ذلك الاتساع إلا أنه لا يزال سريرا واحدا وحياتها مع وليد حتى الأن لا تسمح لهما بمشاركة نفس السرير, ثم أخذت تفكر في الكيفية التي ستكون عليه وضعهما في ذلك المكان وهل حان الوقت الذي سيذوب فيه أخيرا الجليد الذي بينهما؟
: انا هنام ع الكنبة.
كان ذلك صوت وليد الذي وقف بجسمه الطويل يسد الباب تقريبا, ويلوي شفتيه باسما بسخرية وكان كمن يقرأ أفكارها فشعرت حياة بالخجل جعلها تخفض عينيها هربا من نظراته العابثة, وأدارت وجهها وهي تحاول أن تجمع ثيابها التي كانت قد وضعتها على الأريكة قبل أن تعلم أنه قرر أن ينام عليها, ولم تشعر باقترابه منها إلا عندما أمسك بيدها وأدارها لمواجهته وهي يتفحصها من رأسها إلى أخمص قدميها بنظرات مبهمة, ولأنها كانت تعلم يقينا بأنها تشبه الطفل الذي يرتدي ثياب أخيه الكبير في تلك البيجاما ففسرت نظرت على أنها سخرية من نوع آخر, فقالت مدافعة عن نفسها: ما كنتش عاملة حسابي في أي هدوم, فدورت في دولابك ومش لقيت حاجة تنفعلي غير البيجاما دي؟
وعندما لم تتلق منه أي تعليق, قالت معتذرة: انا اسفة لاني أخدتها من غير ما استأذنك.
لماذا لم ينتهز الفرصة ويلقي بإحدى تعليقاته اللاذعة أو الساخرة كعادته؟ إذن فهو لا يسخر منها كما كانت تعتقد, إذن فما معنى نظرته تلك؟
وفجأة امتدت يده لتبعد خصلة صغيرة من شعرها ويضعها خلف أذنها, فاتسعت عيناها بشدة مندهشة لحركته التي خدرت أطرافها فلم تعد تقو على تحريكهما وهي تنظر إليه في ترقب, فوجدته يقترب منها أكثر وبينما وهو يضع يديه حول كتفيه وكأنه على وشك احتضانها رن هاتفه.
فأنزل يده بغضب ووضعها في جيب سترته لإخراج جواله وكأنه يريد تهشيمه ثم نظر إلى شاشته ليتعرف على شخصية المتصل الذي من حسن حظه أنه يتصل هاتفيا حيث لم يكن في استطاعة وليد ايذاؤه , ثم فتح المكالمة ووضع الهاتف على أذنيه وهو يقول: أيوة يا أستاذ عماد.
وعندما سمعت حياة الاسم ابتعدت عنه لتخفي ارتباكها, وتلتقط ثيابها من جديد التي كانت قد سقطت على الأرض لتضعها على الكرسي بينما سمعته يقول: لا أبدا مفيش ازعاج ولا حاجة……
ثم صمت للحظات ليستمع إلى عماد الذي يحادثه, وأخيرا قال قبل أن ينهي المكالمة: لا خلاص, انا بكرة ان شاء الله هكون في الموقع وأشوف اللي بيحصل…….تمام, مع السلامة
ألقى وليد بالهاتف على الأريكة بلا اهتمام وقال لها بجفاف: أنا هدخل الحمام أغير هدومي, وياريت قبل ما تنامي تحطيلي مخدة وغطا على الكنبة.
ثم توجه إلى الخزانة ليخرج منها ما سيرتديه للنوم وبعدها توجه إلى الحمام دون أن يتفوه بأي كلمة أخرى تاركا حياة تقف مشدوهة من تغير موقفه المفاجىء تجاهها وكأن الجليد الذي ظنت بأنه قد ذاب أخيرا قد عاد مجددا ليبني حاجز أخر بينهما, فبالفعل لقد احتارت حياة في أمره. فهل هو ذلك الشخص المليء بالحنان والمشاعر التي قد رأتها منذ قليل أم أنه ذلك الرجل الجليدي الذي يعاملها بجفاف وسخرية ورغم ذلك لا تستطيع أن تكرهه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
ونذهب مجددا إلى مشهد كثيرا ما يتكرر في شقة علياء التي كانت بصحبة عماد الذي كان يقدم لها خاتم قيم من الألماس وهو يقول: دة تقدير بسيط مني لذكائك وبراعتك.
فتناولت علياء الخاتم وهي تنظر له بلا مبارلاة وتقول لعماد: مش بطال, بس دة ما كنش اتفاقنا.
عماد: لا يا ماما, اتفاقنا دة لما يطلقوا.
علياء: انت مش بتقول ان الاخبار وصلتك انهم خلاص زعلوا من بعض ومريم راحت بيت جدها, يبقا فاضل ايه تاني؟
عماد: بردو مش كفاية, لما اسمع خبر طلاقهم بودني ساعتها بقا هعملك كل اللي انتي عاوزاه.
علياء: ماشي يا عمدة, بس يا ترى انت واثق في البنت اللي اسمها هدى دي؟
عماد: لا, دي خلاص بقت زي الخاتم في صباعي.
علياء بنظرة خبيثة: وياترى بقا آخرة الخاتم دة ايه معاك؟
فرد عماد بنفس طريقتها بالمراوغة: دة بقا يا حلوة ما يخصكيش.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت مريم لا تزال جالسة على السرير تفكر في مصيرها بعد ذلك بعد انفصالها عن يوسف المحتوم, ثم فجأة قفزت كلمات كان قد قالها يوسف نفسه في السابق حين كان يحدثها عن جدها: : هو انتي دايما كدة؟
مريم: كدة ازاي يعني؟!
يوسف: يعني دايما بتوقفي حياتك على شخص واحد, في الاول كان باباكي وبس , ودلوقت جدك وبس, دة حتى ساعة الفرح حسيت انك موقفة فرحتك على وجود صاحبتك اللي اسمها حياة. ليه كدة؟
قال تلك الكلمات وهو لم يخطر في باله حينها بأنه سيأتي اليوم الذي سيكون فيه هو الشخص الذي ستوقف سعادتها على وجوده, ولكنها علمت بعد ذلك بأنه محق, فما تفعله هو خطأ كبير في حق نفسها, وبالرغم من أنها قد أدركت تلك الحقيقة مؤخرا إلا أنها قد قررت أن تبدأ في الاعتماد على نفسها بعد ذلك, ولن توقف حياتها على شخص آخر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تنتهي من تثبيت طرحتها على رأسها حين طرق أحدهم الباب, فقالت وهي لا تزال تنظر إلى المرآة: ادخل.
ففتحت هدى الباب ودخلت بخطى ثقيلة وكأنها مرغمة وهي تقول: أنا جاهزة, انتي لسة ما خلصتيش؟
فقالت حياة و هي تنظر اليها بوجه باسم: انا خلاص يا حبيبتي خلصت.
واقتربت منها حياة لتمسك بيدها وتتوجه إليها ناحية السرير وهي تقول: بس أنا كنت عاوزة أكلمك في حاجة الأول.
فقالت هدى بتأفف: مش وقته, المحاضرة قربت تبدأ.
حياة مصرة وهي تجلسها بجوارها: هما خمس دقايق بالظبط وهنمشي.
فجلست هدى على مضض وسألت: خير؟
وبالرغم من تردد حياة كثيرا فيما إذا كانت ستحدثها في هذا الأمر أم لا, إلا أن هذا التردد لم يظهر في لهجتها وهي تسألها بطريقة مباشرة: هو انتي فيه ايه بينك وبين عماد شاكر رجل الأعمال؟
ظهر الارتباك على وجه هدى وتلعثمت وهي تقول: مين عماد شاكر دة كمان اللي هيكون بيني وبينه حاجة؟ دة انا هو قبلته مرة واحدة عندكم زي مانتي عارفة.
حياة: بس انا اللي أعرفة كمان اني شفتك امبارح وانتي بتركبي معاه العربية أدام الجامعة.
بدا أن قول حياة قد صدمها ولكنها أخفت ذلك وراء غضبها وحدة صوتها وهي تنهض وتقول: انتي بتتجسسي عليا؟ بتراقبيني؟
فنهضت حياة هيالأخرى وكانت لم تتخلى عن هدوئها بعد: لا يا حبيبتي, انا لا بتجسس عليكي ولا براقبك, انا شفتكم بالصدفة.
هدى بتحدي: طيب وانتي عاوزة ايه بقا دلوقت؟ ايوة أنا أعرف وخرجت معاه كمان.
حياة: انا عن نفسي مش عاوزة أي حاجة, بس كل اللي بتطلبه منك انك تخلي بالك من نفسك كويس, وما تثقيش في اللي اسمه عماد دة لأنه شكله مش سهل, دة غير انه متجوز يعني.
هدى: هو قالي انه هيطلق مراته لأنه مش بيحبها ولا طايق يعيش معاها.
حياة: طب وبعد ما يطلقها؟
هدى بحماس: هنتجوز طبعا.
إذن فهذه هي الطريقة الجديدة التي يستخدمها لخداع الفتيات الصغيرات اللتي في عمر هدى وبراءتهن وبدا أنه قد نجح تماما في ذلك, ولكن حياة لم تيأس في محاولة إقناع هدى بأنه ليس إلا مجرد مخادع ويجب عليها ألا تأمنه وحاولت استخدام العقل في ذلك وهي تقول: طيب وايه اللي مسكته لحد دلوقت؟ يعني ليه مطلقش مراته من زمان مادام هو مش طايقها للدرجادي زي مانتي بتقولي؟
هدى: لأنه عنده شغل معاها مستني لما يخلص الأول وبعدين هينفذ اللي اتفقنا عليه.
من الواضح أنه قد أجرى لها عملية غسيل مخ كاملة كي تدافع عنه بتلك الطريقة المستميتة, ولكن حياة استمرت في محاولاتها: يا حبيبتي دة كلام ما يدخلش العقل, صدقيني دة بيضحك عليكي, فكري كويس أرجوكي وهتعرفي ان كلامي صح وأنا والله غرضي مصلحتك.
فقالت هدى بانزعاج ونفاذ صبر: والله بقا أنا حرة, وانتي كمان محدش عينك واصي عليا, و ياريت بقا نخلي الأمور واضحة بينا من دلوقت وكل واحد لازم يعرف وضعه كويس في المكان دة وياريت بقا من هنا ورايح ملكيش دعوة بيا خالص, ولا كمان لسانك ييجي على لساني في خير أو في شر.
ثم توجهت ناحية الباب بخطوات سريعة وقبل أن تصل إليه, استدارت مجددا ناحية حياة التي كانت لاتزال تقف في مكانها مبهوتة حائرة لاتدري كيف تتصرف, فقالت لها هدى محذرة: اه, ونسيت أقولك ياريت وليد ويوسف مايعرفوش بالموضوع دة لحد ما انا اقولهم بنفسي ولو سمعت انهم عرفوا منك أي حاجة صدقيني هيكون ليا تصرف تاني معاكي.
واندفعت خارجة من الغرفة بعد أن قالت جملتها الأخيرة وهي لا تدرك أن حياة أحرص منها على ألا تخبر أيا من يوسف أو وليد أي شيء يتعلق بعماد, ولكن يجب أن تكون هناك وسيلة أخرى لإنقاذها من براثن هذا الحيوان المفترس.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخلت مريم حجرة المكتب لتجد عبدالرءوف جالسا خلف مكتبه يطالع أحد الكتب وقد كانت تلك هوايته المفضلة والتي يبدو أنه قد علمها ليوسف, وعندما رآها عبدالرءوف أغلق الكتاب الذي في يدو ووضعه على المكتب وهو يقول لها بابتسامة حنونة: تعالي يا مريم.
فاقتربت مريم منه بخطوات مترددة وهي تقول: مش هعطلك عن القراية يا جدو؟
عبدالرءوف: تلاتة بس مسموح ليهم انهم يعطلوني عن أي حاجة بعملها حتى لو كانت القراية وهما عمتك وانتي ويوسف.
أجفلت مريم لسماع اسمه ولكنها لن تدع ذلك يثنيها عما عزمت على إخبار جدها به, فاقتربت مريم أكثر من المكتب وجلست على أحد الكراسي في مواجهة جدها وهي تفرك يدها محاولة استجماع شجاعتها لتخبره بقرارها وقد لاحظ عبدالرءوف ذلك فسألها باهتمام: فيه ايه يا مريم؟ مالك؟
مريم: الحقيقة يا جدو أنا كنت فكرت في اني اعمل حاجة كدة وكنت عاوزاك تساعدني.
عبدالرءوف: أكيد لو شفت انها فيها مصلحة ليكي مش هقول لا, ياترى ايه هي بقا الحاجة دي؟
مريم: فاكر يا جدو لما قولتلك اني عاوزة أفتح محل ملابس؟
عبدالرءوف بحذر وهو يتوقع ماهي مقدمة على إخباره به: فاكر انك قولتي انك هتعملي المشروع دة بعد ما تخلصي دراستك.
مريم: صحيح انا كنت ناوية على كدة, بس انا غيرت رأيي و عاوزة أعمل المشروع دة دلوقت.
عبدالرءوف: طيب ممكن أعرف السبب اللي خلاكي تغيري رأيك.
مريم: عاوزة أكبر يا جدو.
تفاجأ عبدالرءوف من ردها وبدا أنه لم يستوعب تماما ما تعنيه بتلك الجملة, فسألها: يعني ايه؟
مريم موضحة: هما مش بيقولوا ان عمر الانسان الحقيقي بيتقاس بالخبرات والتجارب اللي بيعيشها؟ وأكتر حاجة ممكن تكسبني خبرة هو الشغل اللي هيسمحلي اني اتعامل مع كل الناس بمختلف مستوياتهم الاجتماعية والثقافية, ودة هيساعدني اني أفهم الدنيا أكتر.
سرح عبدالرءوف قليلا وهو يفكر في الكلام الذي قالته حفيدته للتو, ثم قال لها: طيب ودراستك هتعملي فيها ايه؟
مريم: هحاول أوفق ما بينهم وبخصوص الكلية فأنا هروح المحاضرات المهمة بس والمحاضرات التانية هبقا انقلها من أصحابي.
عبدالرءوف وهو ينظر إليها بإعجاب وقد بدا أنه عليه الاقتناع: طيب انتي شايفة ان واحدة في سنك وعديمة الخبرة تقريبا تقدر تدير مشروع زي دة لوحدها؟
مريم بسعادة وحماس زائد جعلا جدها على استعداد لأن ينفذ لها أي طلب شرط أن يراها دائما في تلك الحالة: ماهو أنا الأول هاخد كورس مضغوط في ادارة الأعمال دة غير اني أعرف واحدة صاحبة بوتيك ممكن أروحلها كذا مرة كدة وأفهم منها بعض الأمور الغامضة بالنسبالي ومفتكرش انها هتمانع, بس دة كله يكون أثناء التجهيز للمحل عشان ما اضيعش وقت.
عبدالرءوف بنبرة إعجاب واضحة: ما شاء الله, دة انتي تقريبا مجهزة لكل حاجة أهو, امال عاوزة مني انا ايه بقا؟
مريم: كنت عاوزاك تشوفلي حد كويس يعملي داسة جدوى للمشروع عشان أعرف التكاليف بالظبط قبل ما أبدأ.
عبدالرءوف: يا ستي ابدأي انتي والتكاليف دي ملكيش دعوة بيها خليها عليا أنا.
حاولت مريم أن يكون في اعتراضها بعض اللطف وهي تقول: لا, معلش بقا يا جدو, انا عاوزة أعمل المشروع دة من مالي الخاص, عشان أحس بقيمة الحاجة اللي بعملها, انت بس شوفلي الشخص اللي انا قولتلك عليه وكتر خيرك على كدة.
وفي تلك اللحظة ظهر ماهر وهو يطرق على باب المكتب الذي لم يكن مغلقا تماما, فقال الله عبدالرءوف مداعبا بلهجة مرحة: ادخل يا ماهر, دي أول مرة في حياتك تيجي في الوقت المناسب.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت حياة تمشي في ذلك الممر الطويل بخطوات تكاد تكون متعثرة, فتلك هي المرة الأولى التي تدخل فيها هذا المكان, ولكن لم يكن ذلك هو السبب الحقيقي لقلقها الذي كان في الحقيقة أساسه هو خوفها من ردة الفعل التي ستواجهها بسبب تلك الزيارة الغير متوقعة, وصلت حياة بالنهاية إلى باب أحد الغرف المكتوب عليه سكرتيرة المدير العام, فطرقت الباب ثم دخلت مباشرة, واقتربت من تلك الفتاة التي تجلس خلف المكتب وترمقها بنظرات متفحصة وقد بادرتها بسؤالها: خير يا فندم؟
حياة: لو سمحتي, انا عاوزة أقابل الاستاذ عماد.
السكرتيرة مستوضحة: قصدك عماد بيه المدير العام؟
حياة: ايوة.
السكرتيرة وهي تتفحصها مجددا باستغراب: وياترى فيه ميعاد سابق؟
حياة: لا.
السكرتيرة: يبقا أنا اسفة اني أبلغ حضرتك ان عماد بيه صعب يقابل حضرتك في الوقت الحالي, تقدري يافندم تتصل بينا في التليفون واحنا نحددلك ميعاد مناسب.
شعرت حياة باليأس يتخلل كيانها, ولكنها قالت بلهجة واثقة: انا متأكدة انه لما يعرف اني موجودة هنا مش هيرفض انه يقابلني, ياريت بس لو سمحتي تقوليله حياة محمود حرم الباشمهندس وليد جلال.
فنظرت اليها السكرتيرة في شك ولكنها وبعد أن دونت بعض الملحوظات في مفكرتها قامت بتنفيذ ما طلبته منها حيث رفعت سماعة هاتفها الداخي وضغطت أحد أزراراه ثم قالت: فيه واحدة عندي هنا يا فندم عاوزة تقابل سيادتك وبتقول ان اسمها حياة محمود وبتقول كمان انها حرم الباشمهندس وليد جلال……… حاضر يا فندم, تحت أمرك.
ثم أعادت السماعة مكانها, ونهضت وهي تقول ل حياة وقد زادت لهجة الاحترام في صوتها وهي ترشدها إلى باب أخر بمكتبها: اتفضلي يا مدام.
وتوجهت حياة لتدخل من الباب الذي كانت قد فتحته لها تلك الشابة ثم أغلقته خلفها, فجالت حياة بنظرها في ذلك المكتب ليس لتفقد محتوياته بل لتبحث عن ذلك الشخص الذي وجدته يجلس خلف مكتبه بكل تعالي وغرور, وما ان وقعت عينيها عليه حتى رأته ينهض من مكانه وهو يقول لها مرحبا: اهلا أهلا مدام حياة. نورتي المكتب اتفضلي.
وبالفعل تقدمت حياة من المكتب وجلست أمامه حيث أشار لها, ثم جل هو على كرسيه و هو يسألها: تحبي تشربي ايه؟
حياة بجمود: انا مش جاية هنا عشان أشرب, انا جيت بس عشان أقولك كلمتين وهمشي على طول.
عماد: خير يا مدام؟
ولأنها كانت تعلم جيدا أن رجلا كعماد هو خبير في أمور التحايل واللف والدوران, لذلك قررت أن تدخل في الموضوع مباشرة: انا جيت هنا عشان أقولك ابعد عن هدى. انا عارفة انكم بتخرجوا مع بعض زي مانا متأكدة اوي انك بتضحك عليها, عشان كدة جاية أحذرك وأقولك مليكش دعوة بيها نهائي.
عماد بمراوغة: طب طالما انتي عارفة كدة كويس, أكيد كمان عارفة اني ما ضربتهاش على ايدها وكل اللي بتعمله دة بمزاجها. يبقا ليه بقا ما قولتيش الكلام دة ليها هي وكنتي وفرتي على نفسك المشوار؟
حياة: هدى مش قابلة أي كلام مني في الموضوع دة.
فقال عماد وكأنه يكمل لها جملتها: ولا في أي موضوع تاني, مش كدة. اصلها يا حرام متضايقة منك أوي لانك خطفتي خطيبها منها وخلتيه يسيبها ويتجوزك انتي, مش هو دة اللي حصل؟
ان كان غرضه مما قاله هو استفذاذها فقد نجح مائة بالمائة في ذلك الأمر لدرجة أن حياة لم تعد بمقدورها أن تتفوه بكلمة أخرى مما سمح له أن يستمر ليزيد آلامها أكثر: وأنا بصراحة من ساعة ما عرفت انك مراة وليد وانا هموت وأعرف انتي قدرتي تضحكي عليه ازاي؟ الحقيقة انا لحد دلوقت مش قادر أصدق ان واحد زي الباشمهندس وليد اللي كل الناس بتتكلم عن رجولته وذكاؤه يطلع مغفل بالشكل دة.
لو كانت في ظروف أخرى لقامت من مكانها وصفعته بكل قوة ردا على اهانته لزوجها, ولكنها لم تنسى هدفها الرئيسي من تلك الزيارة, لذلك تجاهلت كلامه, وقالت له بلهجة قوية مهددة: عماد, ابعد عن هدى أحسنلك وإلا هقول لوليد ويوسف.
لم يبد أن تهديدها قد لاقى أي اهتمام من قبل عماد الذي قال لها ساخرا: ياترى بقا هتقوليلهم عن علاقتي بهدى دلوقت ولا علاقتي بيكي زمان؟
وعندما لمح التردد باديا على وجهها أكمل وقد استلم هو دفة الحديث وأصبح هو من يقوم بتهديدها: اسمعي يا شاطرة, ياريت تخليكي في حالك أحسن, لانك مش أد المشاكل اللي ممكن أعملهالك لو حسيت في لحظة انك واقفة في طريقي, وياللا بقا الزيارة انتهت.
ثم أدار كرسيه ليصبح ظهره هو المواجه لها معبرا عن رغبته في انهاء الحديث, فنهضت حياة وخرجت من المكتب بخطى بطيئة وهي تلوم نفسها على تلك الزيارة وعلى غبائها الذي خيل إليها بأنها قد تجد في عماد بعض اللين, ولكن هيهات للنذل أن يبدي بعض الشهامة!
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
مر اسبوعان ببطء شديد لم يحدث فيهما أي جديد إلا عودة يوسف من السفر وتجهيز مريم لمحل الملابس بمساعدة ماهر الذي استطاع أن يقنعها بأن تقبل مشاركته لها بهذا المشروع والذي قد أوشك على النهاء حيث كان العمل به قائم على قدم وساق, ومريم كما أخبرت جدها قد التحقت بأحد الدورات التدريبية الخاصة بادارة الاعمال وجدها وعمتها يشجعانها على ذلك حيث لاحظا بأن هذا المشروع قد أعادها إلى الحياة من جديد بعد أن فشلت كل وسائلهما في إخراجها من جو الاكتئاب الذي كانت قد سجنت نفسها فيه, أما حياة وهدى فلم تتغير علاقتهما, حيث كانت هدى تتجنب الحديث مع حياة في مختلف المواقف بينما كانت حياة حريصة على ألا تدع تلك الصغيرة تلاقي نفس مصيرها, وفي إحدى الليالي وقف يوسف يصيح في حضور كل من وليد وحياة : يعني ايه تتأخر لحد دلوقت وما نعرفش مكانها؟ ولا حتىنعرفلها أي أصحاب ممكن نكلمهم عشان نطمن عليها؟ دة يبقا اسمه تسيب واستهتار. البنت دي مسئوليتنا كلنا ولو جرالها حاجة هيبقا ذنبها في رقبتنا.
فقال له وليد مهدئا: طيب بالراحة بس يا يوسف عشان نعرف نفكر ممكن نعمل ايه؟
وبدلا من أن يهدئه كلامه الا أنه قد زاد من انفعاله: احنا لسة هنفكر, الساعة تسعة يا بيه وكل لحظة بتعدي وهي لسة برة فيها خطورة عليها والله أعلم هيكون نوعها ايه.
ثم وجه غضبه الى حياة: وانتي يا حياة, ازاي تسيبيها وتيجي, مش نبهت عليكم انكم تروحوا مع بعض وتيجوا مع بعض؟
حياة والقلق يمزق فؤادها أكثر منهما: انا ما سيبتهاش, انا بعد ما خلصت محاضراتي روحت ع المكان اللي احنا متفقين اننا نتقابل فيه, والمفروض اني كنت الاقيها مستنياني هناك لان محاضراتها النهاردة بتخلص قبلي, بس روحت ما لقيتهاش واستنيتها اكتر من ساعة وبردو ما كنتش جات, دة انا حتى دورت عليها في كل مكان بالجامعة ممكن تكون فيه بس ما لقيتهاش ولما اتصلت بيها تليفونها بيدي مغلق.
يوسف: يعني ايه؟ هتكون راحت فين يعني؟
كان هناك صراع بداخلها بين أن تخبرهما بكل ما تعرفه علهما يستطيعان نجدتها قبل فوات الأوان, وبين أن قلقها مما سيحدث ان كان قد فات الاوان بالفعل ولن تكون قد ربحت شيئا في النهاية الا كشف السر الذي عملت على إخفائه لمدة طويلة. ودعت ربها بصمت أن أن يحمي هدى من شر عماد ويرجعها إلى البيت سالمة, كما دعت أن يلهما الصواب في حسن التصرف في تلك المشكلة, حتى واتتها فكرة لم تكن قد خطرت على بالها من قبل, فاستأذنت منهما لتخرج الى حديقة المنزل بينما كان يوسف يستعد لإبلاغ الشرطة و وليد يبحث في سجل الهاتف عن أسماء بعض المستشفيات ليسأل عن هدى علها تكون قد أصيبت في حادث ما وتم نقلها إلى المستشفى, لذلك لم يبال أحد بها
وفور خروج حياة إلى الحديقة ضغطت على بعض أزرار هاتفها, وانتظرت قليلا حتى تلقت ردا فقالت: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته, ايوة يا مريم…………

الحلقة الثامنة والعشرون
*طرف ثالث*
كانت هدى تجهش باالبكاء وهي تجلس في قاعة الجلوس بفيللا عبدالرءوف الكامل على الأريكة بجوار مريم وتضع رأسها في حضنها ومريم تعمل على طمأنتها وتربت على كتفيها ورأسها وهي تلقي على سمعها بعض الكلمات المواسية على مرأى من ماهر الذي جلس على كرسي آخر بالقرب منهما وهو يتابع المشهد الذي أمامه بعيون جامدة ويبدو عليه السخط الشديد: اهدى يا هدى أرجوكي. خلاص يا حبيبتي كل حاجة انتهت وانتي دلوقتي في أمان وسطينا, انا مش عارفة بس ايه اللي كان وداكي عنده؟ كان فين عقلك وقتها؟
فقالت هدى وهي تبتعد قليلا عن حضن مريم وتقول وقد اختنق صوتها من البكاء: والله يا مريم ما كنت اعرف, والله ماكنت اعرف انه كدة, هو قالي انه عاوز يفرجني على شقته عشان اشوف اللي مش عاجبني فيها ويغيره عشان دي الشقة اللي هنتجوز فيها.
وبنظرة سريعة ناحية ماهر أدركت أنه يحاول بقدر استطاعته أن يحافظ هدوئه حيث قد ضاعفت كلمات هدى من غضبه و أحتضنت مريم بكفيها وجه هدى وهي تقول لها برقة: خلاص يا حبيبتي, دي كانت تجربة وعدت ولازم تنسيها.
فقالت هدى وقد ازداد نحيبها: انساها ازاي؟ انساها ازاي يا مريم؟ ودي حاجة تتنسي؟
هدى مؤكدة: هتتنسي يا هدى, صدقيني هتتنسي.
وفجأة سمعا جرس الباب بالفيللا وما هي الا لحظات قلائل حتى دخل كل من يوسف و وليد وحياة القاعة كالعاصفة وعلى الفور ألموا بالمشهد أمامهما وكان يوسف أول من تحدث وهو لم يفت عليه رؤيته لهدى وهي تكفكف دموعها سريعا وتلك العينين الحمراوين من شدة البكاء فسأل وقد اكتست نبرته بلهجة غاضبة: انا عاوز أعرف ايه اللي بيحصل هنا بالظبط؟
كانت تلك المرة الأولى التي تراه فيها مريم بعد انفصالهما فشعرت بأنها لن تحتمل هذا الموقف وأنها لن تقوى على الكلام, ومع ذلك هي التي تولت الرد على سؤاله بكل ما تستطيع من هدوء: مفيش حاجة بتحصل, كل المسألة اني وحشت هدى فجات عشان تزورني واتأخرت شوية ونسيت انها تتصل بيكم فلما قالتلي اتصلت بحياة عشان ابلغها.
بالطبع لم يقتنع يوسف بكلامها فهو يعلم بأن ابنة عمته لم تكن في يوم من الأيام على وفاق مع زوجته, كما أن دموعها تلك قد جعلته يشعر وكأنها تعرضت لكارثة ما, فهو يعلم تمام العلم أن هدى قلما تبكي, لذلك كان سؤاله التالي لهدى: بتعيطي ليه يا هدى؟ ايه اللي حصل؟
بالطبع لم تجد هدى الرد المناسب على سؤاله فأخذت تنظر الى مريم في قلق تطلب منها العون وقد حدث. فقالت مريم على الفور وهي تختلق كذبة جديدة: اصل حصل مشكلة في الكلية بينها وبين دكتور عشان كدة هي خايفة من انه ممكن يستقصدها ودي اول سنة ليها.
يوسف بشك: واسمه ايه الدكتور دة وانا هروحله واحل معاه الموضوع؟
بدت مريم في ذلك الوقت وكأنها لم تبرع في شيء الا الكذب حيث استمرت في اختلاق كذبة جديدة: وعلى ايه تعطل نفسك يعني؟ الموضوع مش مستاهل, انا وحياة هنروح معاها بكرة ان شاء الله وهنكلمه واهي حياة تعرفه لانه كان بيديها.
ثم قالت لتنتقل الى أمر آخر منهية هذا الموضوع الذي وان استمر أكثر من ذلك فلن تستطيع أن تتنبأ بنتائجه, وقد وقفت سريعا مبتسمة وهي تحاول أن تقوم بدور المضيفة: اتفضلوا اقعدوا, انتو واقفين ليه؟
وبعد أن جلس يوسف بالقرب من هدى وهو يرمقها بنظرات مليئة بالشكل وعقله يرفض تصديق كل ما قالته مريم, وهدى تحاول ان تتهرب من نظراته وهي تخفض عينيها, وقد احتل وليد كرسي آخر أما حياة فظلت واقفة بجوار مريم التي قالت: سوري لأن جدو وعمتو نايمين, قولولي بقا تحبو تشربوا ايه.
لم يشعر يوسف بأنه في حاجة لتناول أي شيء ولكن رغبته في المكوث بقربها أطول فترة ممكنه جعله يقترح بالنيابة عن الجميع: ياريت قهوة.
مريم: اوك, هروح أعملها.
ولكن قد أشارت لها حياة وهي تمنعها من مغادرة المكان: خليكي انتي يا مريم, انا هروح اعمل القهوة بنفسي.
فهمت مريم من نظرات صديقتها بأنها تريد مغادرة المكان وقد تأكدت من ذلك حين لمحت نظرتها المريبة الى ماهر والذي قد فهمها جيدا, وبعد أن خرجت حياة, نهض ماهر وهو يقول معتذرا: طب انا اسف يا جماعة لاني مضطر اني امشي دلوقت.
ثم أكمل مازحا: معلش بقا الواحد خلاص بقا متعود ع الالتزام انام بدري واصحى بدري, سلام عليكم.
فردوا عليه السلام , ورحل فجلست مريم مكانه وهي تتجنب نظرات يوسف اليها ليس لقلقها كما كان الحال مع هدى, بل لأنها كانت تشعر بانقباض في قلبها كلما وقع نظرها عليه فهي لا تريد أن تحبه ولا تستطيع أن تكرهه,
خرج ماهر من الفيللا ليجد حياة في انتظاره بالحديقة, ولم تنتظر حين يصل اليها بل أسرعت هي اليه وقد لمح السؤال في عينيها القلقة قبل أن تتفوه به: طمني يا استاذ ماهر, هدى جرالها ايه؟
فظهرت شبح ابتسامة على ثغره أدخلت الطمأنينة على قلبها وهو يقول: اطمني يا مدام حياة, هدى بخير, تقدري تقولي اني لحقتها, فجبتها هنا ومريم فوقتها.
ولكن لم تكتف حياة بهذا الرد فأرادت مزيدا من التفاصيل: يعني هي فعلا كانت عنده في شقته؟
ماهر: ايوة, انا لقيتها في الصالون كانت تقريبا مغمى عليها.
حياة بخضة: وانت ايه عرفك انه ما لمسهاش؟
ماهر: اولا لاني عارف عماد كويس, يعني اقدر اعرف هو بيفكر في ايه حتى قبل ما يقوله لانه كان صاحبي من زمان وتقريبا كنت زيه, دة غير ان اي انسان مهما كان ما يقدرش يكدب وهو على وشك الموت.
حياة: ايه؟ انت قتلته؟
فقال ماهر بنبرة حانقة: كنت على وشك اني اعمل كدة, وكنت فعلا ناوي أقتله لو عرفت انه لمس شعرة واحدة منها.
حياة وقد ارتاحت كثيرا لكلامه: الحمد لله.
ثم قفز سؤالا الى ذهنها فلم تستطع أن تتركه يذهب قبل أن تسمع رده عليه: استاذ ماهر تسمحلي أسألك سؤال؟
ومع أنها كانت مترددة بعض الشيء في طرح هذا السؤال الا أن ابتسامته المشجعة قد محت أي تردد كان يخامرها وكذلك موافقته السريعة ذات النبرة الدافئة: تحت أمرك.
حياة: انا من فترة لاحظت اهتمامك بهدى وحسيت ان مشاعرك بدأت تتحرك ناحيتها, فيا ترى اللي حصل دة غير أي حاجة؟
صمت ماهر قليلا فاستنتجت حياة الرد ولكنها فوجئت بقوله: شوفي يا مدام حياة, انا مش هقدر أقولك ان اللي حصل دة ما كنش ليه أي تأثير عليا واني مش هلوم هدى لأنها فعلا تستحق اللوم. بس دة مش معناه اني أحط كل الذنب عليها. لأني زي ما قولتلك انا عارف عماد كويس وعارف كل ألاعيبه, واذا كان هو بيقدر يغوي ستات اكتر خبرة فما بالك بقا بواحدة زي هدى لسة ما تعرفش حاجة في الدنيا؟
انشرحت أساريرها من كلامه و أرادت أن تطمئن أكثر فسألته: طب معلش, سؤال تاني واعذرني على تطفلي, يعني ممكن تتقدملها دلوقت؟
ماهر على غير توقع منها وبصوت قاطع: لا.
فساد الحزن وجهها وهي تقول في نفسها بأن الرجال كلهم يفكرون بنفس الطريقة, ولكنها فوجئت به يقول: مش هينفع الا لو اتأكدت انها بتبادلني نفس الشعور ودة مش ممكن يحصل دلوقت وخصوصا بعد التجربة اللي مرت بيها النهاردة واللي صعب انها تنساها بسهولة, يا مدام حياة انا لو اتقدمتلها دلوقت ممكن توافق صحيح بس مش علشان هي عاوزاني , لا دة هيكون لأنها عاوزة تنسى بيا اللي حصلها وانا مش ممكن أقبل بكدة.
فهزت حياة رأسها في تفهم وقد كبر ماهر في نظرها أكثر بعد موقفه الشهم تجاه هدى كما أنه لم يستغل الفرصة ليجبرها على الارتباط به كما يمكن أن يفعل أي شخص في مكانه أو كما فعل وليد معها هي من قبل.
لاحظ وليد شرودها وكان يريد أن ينصرف في حينه دون أن يقطع عليها تفكيرها ولكن غلبه فضوله فسألها: مدام حياة, تسمحيلي أنا بقا اسألك سؤال؟ هو انتي ليه ما حاولتيش تبلغي وليد أو يوسف بكل اللي تعرفيه عن علاقة ماهر بهدى؟ يعني أعتقد ان دة كان أفضل و أسرع من كل اللفة دي؟
كان هذا أكثر سؤال تخشاه حياة ولكنها كانت قد أعدت له الاجابة المناسبة مسبقا حيث كانت تتوقعه, فأجابت: انت أكيد عارف يوسف ووليد كويس وأد ايه هما عصبيين جدا وحاجة زي دي عمرهم ما كانوا هيسكتوا عليها, واذا كنت انت قدرت تمسك نفسك في الموقف دة فمفتكرش انهم كانوا هيقدروا وكان لازم هتحصل جريمة عشان كدة أول ما شكيت ان احتمال هدى تكون مع عماد النهاردة اول انسان خطر على بالي اني اطلب مساعدته كنت انت لانك الوحيد اللي على علم بالموضوع دة وانت بردو اللي ممكن تعرف مكان عماد وتتصرف بشكل مش ممكن يأذي حد فاتصلت بمريم عشان اخد رقمك منها والحمد لله انك كنت في الوقت دة معاها.
ثم انتبهت فجأة الى أنها قد قضت معه الكثير من الوقت وربما يقلق عليها أحد في الداخل لذا اعتذرت وهي على عجلة من أمرها: ع العموم انا متشكرة جدا ليك ع اللي عملته مع هدى واللي بيثبت انت أد ايه فعلا انسان شهم, بس عن اذنك بقا عشان زمانهم قلقوا عليا جوة.
ماهر: اتفضلي.
واتبعها بعينيه وهي تدخل الفيللا, اما هو فانصرف خارجا بخطى ثابتة واثقة لم يبدأ يشعر بها الا منذ فترة قصيرة عندما أصبح يعتمد على نفسه في كل أموره وأصبح للحياة طعم آخر.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كان كل من يوسف ووليد وحياة ومريم يتناولون قهوتهم في صمت يتبادلون النظرات ذات المعاني المختلفة, وبعد ان انتقل وليد بنظره بين يوسف الذي لم يرفع عينه عن زوجته ومريم التي قررت أن تغض الطرف عن ذلك,قرر أن يقطع هو الصمت وقد وجد موضوعا مناسبا للحديث فسألها: قوليلي بقا يا مريم انتي عاملة ايه في مشروعك؟ سمعت ان الافتتاح هيبقا قريب ان شاء الله.
لا تعلم لم شعرت بالتوتر عندما نظرت إلى يوسف؟ ولكنها أعرضت بوجهها عنه سريعا وأجابت وليد وقد نجحت في رسم ابتسامة واسعة على شفتيها كانت هي نفسها في أمس الحاجة إليها لتعطيها مزيدا من الثقة: ان شاء الله بعد أسبوعين بالكتير.
وليد: بالتوفيق ان شاء الله, واحنا بقا معزومين على حفل الافتتاح ولا ما عملتيش حسابنا؟
مريم: والله يا وليد انا ما كنتش عاوزة أعمل حفلة لانها هتكلفنا كتير أصلا بس ماهر أصر وقال انها نوع من الدعاية لازم تتم وطبعا انتو مش محتاجين عزومة.
وليد مازحا وهو يغمز ليوسف: الله الله يا عم يوسف, مراتك طلعت سيدة أعمال اقتصادية من الدرجة الأولى هنيالك يا عم.
لم يعلم أنه بمزاحه ذلك قد ضغط على الجرح وجعله ينزف من جديد, ولكن هل كان قد اندمل بالفعل؟! ونظر إلى زوجته ليجد حياة تنظر إليه وهي تضغط على شفتيها وكأنها تحذره من التمادي في هذا الأمر, ولكن قرر وليد أن يضرب بكل تحذيراتها عرض الحائط, فهو يشفق على حال أخيه منذ أن تركته زوجته دون سبب معلن, انه بالطبع لا يريد أن يتدخل في حياتهما الشخصية ولكن كان من وجهة نظره أنه مهما كانت هناك مشاكل بين الرجل وزوجته فلا يجب عليهما مطلقا التفكير في الانفصال إلا إذا استحالت المعيشة بينهما بالفعل ومما يراه أمام عينيه قد أكد له أن كل منهما لايزال يكن للآخر مشاعر خاصة فاستمر يقول وهو يتعمد تجاهل علامات الاستهجان على وجهيهما: وانتي بقا يا مريم ناوية ترجعي بيتك امتى ولا عجبتك العيشة في بيت جدك خلاص؟ وبصراحة بقا انا كمان عاوز ارجع بيتي انا ومراتي. وطبعا دة مش هينفع يحصل بوجود هدى لوحدها, واللي هيقدر يحللنا المشكة دي هي رجوعك تاني يامريم.
عجزت مريم عن الكلام واكتفت بنظرات السخط البادية على وجهها والتي خصت بها يوسف الذي انتفض فجأة من الغضب ونهض يقول في عجل ناظرا إلى ساعة يده: طيب ياللا بينا بقا يا جماعة, انا شايف اننا اتأخرنا اكتر من اللازم, ولازم نسيب مريم ترتاح بعد الازعاج اللي احنا سببناهولها دة.
ثم وجه حديثه الى مريم معتذرا: احنا اسفين جدا يا مريم, وكمان متشكرين ع اللي عملتيه مع هدى.
فنهضت مريم وهي تشعر وكأن يوسف يقصد من وراء كلامه شيئا آخر غير ما يبديه, فهي تعلم أن أكذوبة كالتي أطلقتها بسبب هدى لم تنطلي تماما على زوجها, فقالت وابتسامة باهتة تعلو شفتيها: انا ما عملتش حاجة تستوجب الشكر.
وقال يوسف موجها لكلامة الى حياة: لو سمحتي يا حياة روحي شوفي هدى فين عشان نمشي.
وعندما همت حياة بالمغادرة فأوقفها صوت مريم التي قالت في شبه رجاء: يوسف! لو سمحت ممكن هدى تقعد معايا يومين هنا؟ وصدقني انا هاخد بالي منها كويس.
أخذ يوسف يتفرس في وجهها الطفولي ببطء وهو يدرس طلبها بعقلانية مندهشا من طريقة كلامها بل وطلبها أيضا ففارق السن بينها وبين هدى لا يتعدى السنتين تقريبا ومع ذلك تطلب منه أن يترك هدى في رعايتها! هو يعلم بأن أمرا خطيرا يحدث وابنة عمته طرفا فيه, ولكنه على يقين بأن لا أحد يمكنه أن يبوح بهذا السر على الأقل في الوقت الحالي, فأبدى موافقته بفتور: مفيش مانع, واضح فعلا ان هدى محتاجة تغير جو, بس اسمحيلي اني ابقا اطمن عليها من وقت للتاني.
مريم: في أي وقت.
ثم قالت لحياة: وانتي يا حياة يا ريت تلمي شوية هدوم لهدى وتجبيهم بكرة أو لو كنتي مش فاضية فممكن تبعتيهم مع السواق.
حياة: حاضر
وتبادلت مع صديقتها نظرات ذات معان كثيرة ولكنها مليئة بعلامات الرضا والارتياح, فلقد انتهت احدى مشاكلهما على خير.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
فور أن أصبحت حياة بمفردها مع وليد عبرت له عن رأيها الصريح في تصرفه تلك الليلة ولكن برفق: بس اللي انت عملته دة يا وليد غلط, ما كنش لازم تحرجهم بالشكل دة.
وليد وهو يجلس على الأريكة استعدادا للنوم: كان لازم حد يفوقهم شوية, كتر البعد بيعلم الجفا زي ما بيقولوا وانا مش عاوز علاقتهم توصل لكدة. وعشان نفس السبب انا قولت اللي قولته. فمهما كان حجم المشكة اللي حصلت بينهم فأنا متأكد انهم لو رجعوا يقربوا من بعض من جديد هترجع المية لمجاريها من تاني وينسوا كل اللي حصل.
حياة بتمني وصوت حالم وكـأن تلك الأمنية لنفسها قبل ان تكون لصديقتها: ياريت يا وليد.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وفي شقة عماد نجده ممدا على الأريكة يئن من الألم وعلياء تجلس بجواره تحاول أن تمسح الدم عن جروحه التي نتجت من شجاره مع ماهر أو بالأدق نتيجة ضرب ماهر المبرح له والذي لم يستطع صده لأنه كان في حالة من السكر لم تسمح له بمقاومته. فسألته علياء وهي تضع قطعة قطن صغيرة على جبينه: انا بس اللي عاوزة أعرفه هو ماهر عرف ان هدى عندك ازاي؟
فقال عماد على الفور: وهي دي محتاجة كلام؟ مفيش غير حياة طبعا هي اللي تعرف علاقتي بهدى.
علياء بحيرة والدهشة: حياة! مش حياة دي تبقا بردو مراة وليد؟
عماد ويبدو عليه الضجر: ايوة هي يا ستي.
علياء: طب ودي عرفت منين؟
عماد: شافتها معايا مرة واكيد استنتجت الباقي دة غير انها جاتلي الشركة عشان تطلب مني اني ابعد عنها.
علياء وهي تشعر بمزيدا من الفضول: لا, استنا عليا شوية بقا عشان اقدر استوعب اللي انت بتقوله, اولا ايه اللي يخلي حياة تحاول تنقذ هدى وهما اصلا مفيش بينهم اي عمار زي ما قولتلي؟ وثانيا بقا والاهم هي ايه اللي خلاها اصلا تشك في نواياك ناحية اللي اسمها هدى دي وانت بتقولي ان علاقتك بوليد تمام وانه بيثق فيك؟
عماد وهو لم يحاول حتى ان يخفي مدى سأمه من الأمر: لانها معرفة قديمة, ومن الاخر كدة وعشان ما تسأليش كتير انا اتعرفت عليها لما كنت لسة طالب في الكلية وزارت شقتي مرة.
علياء وهي تضع يدها على فمها لتكتم شهقتها من المفاجأة: حياة! ازاي يعني؟ دة انا حتى كنت بسميها في سري الشيخة حياة وكنت بحاول اني ما احتكش بيها بأي شكل, اتاريها في الاخر تطلع كدة.
فاعترف عماد على مضض: الحقيقة هي لما جات ما كنتش تعرف انها شقتي و كل اللي حصل بينا بعد كدة تقدري تقولي انه كان غصب عنها.
علياء بنظرات شيطانية: ووليد لبس المقلب دة؟ مع ان اللي يشوفه يقول عليه راجل مفتح وصعب ان حد يضحك عليه, ازاي واحدة زي دي قدرت تعمل كدة؟
عماد: دة بقا السر اللي انا مش قادر اعرفه لحد دلوقت.
علياء: طيب مانت تقدر تستغل دة كنقطة في صالحك ومادام الكارت اللي كان في ايدك خلاص اتحرق وهدى طبعا صعب انها ترجعلك تاني, فانت ممكن تعوضها بحياة وتضغط عليها باللي حصل بينكم وتهددها بانك ممكن تفضحها.
فقال عماد رافضا اقتراحها: مش هينفع, حياة ما بقتش البنت الساذجة اللي بقا ينفع يضحك عليها او حتى تتهدد لانها خلاص ما بقتش باقية على حاجة تاني, وكمان اللي يخليها قدرت تضحك على وليد بالشكل دة يخليها تقدر تخليه ما يصدقنيش في أي حاجة ممكن أقولها عنها وخصوصا ان مش معايا أي دليل على كلامي.
علياء: طب وهتعمل ايه بعد كدة؟
عماد بنظرات شرسة: الاول اخلص من اللي اسمه ماهر دة لان شكله كدة هيقفلنا زي اللقمة في الزور. بس وديني لأخليه يندم ع اللي عمله دة.
وقبل أن تتمكن علياء من الرد عليه, دق جرس الباب فنظرت اليه باستغراب: هو انت مستني حد؟
فرد عماد مستخفيا بسؤالها: تفتكري هستنا حد ازاي وانا في حالتي كدة؟ دة انا اتصلت بيكي بالعافية.
ولم يتوقف صوت جرس الباب عن اصدار رنينه فقالت علياء والقلق باديا على وجهها: امال تفتكر مين اللي ع الباب دلوقت؟
عماد وهو يحاول ان يضبط انفعاله حتى لا يثور في وجهها: لو فتحتي الباب اكيد هتعرفي.
وبالفعل توجهت علياء ناحية الباب بخطوات مترددة وفتحته بيد مرتعشة وما ان وقعت عيناها على الزائر حتى أصابتها صدمة شديدة جعلتها تتيبس مكانها وهي تحاول ان تستوعب تلك المفاجأة, ولانها كانت تسد الفجوة الصغيرة التي فتحتها من الباب, فلم يجد ماهر بدا من أن ينحيها جانبا وهو يقول مازحا: ايه يا لولا؟ مش عاوزة تدخليني ولا ايه؟ امال لو كانت دي شقتك كنتي عملتي معايا ايه؟
ثم دخل وقد أغلقت علياء الباب بحركة تلقائية, وعندما تقدم الى الداخل ورأى عماد ممدا كما هو على الأريكة فتح ذراعيه كمن يستعد لاحتضان أحدهم وهو يقول: حبيب قلبي يا عمدة.
لم تقل دهشة عماد عن علياء حيث كان ماهر هو آخر من يتوقع ان يزوره بعد ما فعله معه منذ ساعات, ونهض عماد وهو يتحامل على نفسه متحملا كل الآلام وهو ينظر الى ماهر بغضب ويقول: انتي ايه اللي جابك هنا؟ انت ليك عين توريني وشك تاني بعد اللي عملته؟
وتفحص ماهر بعينيه الكدمات التي خلفها في وجه عماد بدقة ونظرة عابثة, ثم قال بلهجة مرحة: ياااااه, انا عملت فيك كل دة؟ دة انا طلعت جامد بقا على كدة وانا معرفش.
واقترب اكثر من عماد وهو يقول معتذرا بنبرة لاهية: معلش ياصاحبي بقا, كان لازم اسبك الدور كويس.
فتعجب كل من عماد وعلياء من كلامه وقد عبرت علياء عن عدم فهمها بسؤالها الصريح: دور ايه؟
ماهر مبتسما: طب اقعدوا بس وانا افهمكم.
ولم ينتظر ردة فعلهم بل بادر هو بالجلوس على أحد الكراسي بارتياح تام, وقال لعلياء: جرى ايه يا لولا؟ انتي بقيتي بخيلة بجد ولا ايه؟ مش ناوية تعزمي عليا بكاس.
وبعد أن تبادلت علياء النظرات مع عماد الذي أومأ لها برأسه موافقا, ذهبت الى طاولة صغيرة كانت تحمل زجاجة خمر وسكبت منها القليل في أحد الكئوس وقدمته لماهر, ثم جلست على الأريكة بجوار عماد الذي بادر بسؤال ماهر بنفاذ صبر واضح وكان الأخير يرتشف من الكأس بعض القطرات على مهل: قولي بقا انت ايه اللي جابك؟
ماهر: جاي عشان نتفق على باقي الخطة.
عماد بضيق وقد سأم من مراوغته: خطة ايه؟ ما تقول كلام مفهوم يا جدع انت.
ماهر: ماشي انا هحاول انزل لمستواكم وافهمكم. انا كل اللي عملته دة كان جزء من خطة انا بنفذها عشان اخلي اخوانا البعدا يثقوا فيه ويأتمنوني على كل أسرارهم وساعتها بقا اقدر اضرب ضربتي.
عماد بغير تصديق: يا سلام! يعني عاوز تفهمني ان كل اللي حصل دة النهاردة عشان تخليهم يثقوا فيك؟ مش مصدقك يا ماهر.
ماهر موافقا: معاك حق, دة ما كنش السبب الوحيد للي انا عملته, فيه سبب تاني كنت بفضل اني احتفظ بيه لنفسي بس طالما بقا بقينا بنلعب ع المكشوف فانا ممكن اقولهولكم. السبب هو الغيرة.
فقال كل من علياء وعماد بصوت واحد في ذهول: الغيرة!
ماهر موضحا: ايوة الغيرة, الحقيقة انا اول ما عرفت ان هدى مع عماد واحتمال كبير تكون في شقته اتجننت, وما حستش بنفسي انا بعمل ايه ساعتها.
فسأل عماد وقد بدأت الصورة تتضح أمام عينيه: يعني انت عاوز تفهمني انك بتحب هدى وبتغير عليها؟
ماهر: بغير عليها اه, لكن بحبها ممممممممممم مش عارف. المهم اني مش قادر اتخيل انها ممكن تكون لحد غيري.
ثم اشار باصبعه في الى وجه عماد وهو يقول محذرا: حتى لو كنت انت يا عماد.
عماد ضاحكا بسخرية: واااااو, دة خبر الموسم, بقا ماهر بجلالة قدره يقع الوقعة دي!
تجاهل ماهر سخريته وقال بنبرة جادة: المهم دلوقت اني بقيت بالنسبة ليهم الرجل المناسب في المكان المناسب, وقريب اوي هنقدر نوقعهم.
ثم وجه كلامه الى علياء: على فكرة يا لولا حفل الافتتاح الخاص بالبوتيك اللي المفروض انا شريك فيه مع مريم هيتم قريب وانتي لازم تبقي موجودة فيه.
علياء : ليه لازم؟ وكمان هروح بأي صفة؟
ماهر: تبقي موجودة عشان تقطعي الخيط اللي باقي بين مريم ويوسف, اما بقا بالنسبة لصفتك فالمفروض انك صاحبة سلسلة بوتيكات والطبيعي ان واحدة زيك تحضر الحفلة, دة غير ان انا اللي هبقا مسئول عن الدعوات, ولاني المفروض اني معرفش حقيقة اللي بينك وبين يوسف ومريم فعادي جدا اني اعزمك. المهم ان قبل الحفلة دي ما تخلص يكون يوسف ومريم متفقين على الطلاق, وساعتها بقا مريم تقدر تزن على جدها عشان يسحب كل الامتيازات اللي عطاها ليوسف في شركته, وطبعا بعد كدة مش هيبقا قدامه غيري يمسكه زمام الامور خصوصا بعد ما بدأ يشهدلي بالالتزام والكفاءة.

لم يستطع عماد أن يخفي مدى اعجابه بخطة ماهر فصفق له عاليا, ثم قال: ايه دة يا عم؟ دة انت دماغك دي طلعت متكلفة.
ماهر: امال عاوزني اسيب كل أملاك جدي تروح للي اسمه يوسف جلال دة ولا ايه؟ دة انا كنت بعد الشر أموت فيها.
عماد: بعد الشر يا كبير.
ماهر: المهم بقا, انتوا عملتوا ايه في شغلكم التاني؟
وعندما لم يأته أي رد, قال لهما لائما: ايه يا جماعة, انتوا مش مآمنيني ولا ايه؟ بقا انا اكشفلكم كل اوراقي وانتوا في الاخر تبقوا مش واثقين فيا؟
علياء: طيب ما تسأل باباك, ماهو شريك معانا بردو.
ماهر بأسى: بابا مقاطعني من ساعة اللي حصل بينه وبين ماما وانا خالفت كلامه وروحت فيللا يوسف عشان اطمن عليها, ع العموم لو ما كنتوش عاوزين تقولوا حاجة فدة براحتكم, بس لو احتجتولي بعد كدة فياريت تبقا تعتبروني مش موجود.
وبعد نظرة سريعة ألقاها عماد إلى علياء, جذب ماهر الذي كان قد نهض استعدادا للرحيل من ذراعه وأجلسه مجددا ولكن هذه المرة بجواره على الأريكة من الجانب الأخر وأحاط كتفه بذراعه ليطيب خاطره: ودة اسمه كلام بردو يا ماهر؟ ما طول عمرنا سرنا واحد, شوف بقا يا سيدي. احنا اتفقنا مع عدنان على صفقة جديدة…………
وأخذ عماد يشرح له بالتفصيل كل المعلومات الخاصة بهذا العمل المحاط بالسرية التامة وماهر يستمع إليه بانتباه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
: انتي مجنونة؟ ازاي تروحيله لحد عنده؟
كان ذلك الصوت اللائم هو صوت مريم التي كانت تحاول أن تجعله منخفضا بقدر المستطاع وهي تتحدث مع حياة في مكان ما بالجامعة
فقالت حياة بصوت ضعيف وهي تشعر بقلة الحيلة: انا نفسي معرفش انا عملت كدة ازاي؟
مريم: انا بس عاوزة أعرف, كانت ايه وجهة نظرك من كدة؟ يعني لما فكرتي انك تروحيله كان ايه هو هدفك من الزيارة دي؟
حياة: معرفش يا مريم, انا لما لقيته ما قالش لوليد ع الحقيقة افتكرت انه ممكن يكون اتغير او ع الاقل اتعدل شوية عشان كدة روحتله اطلب منه يبعد عن هدى.
مريم: يا سلام يا فالحة, وانتي شايفة بقا ان واحد زي الزفت اللي اسمه عماد دة ممكن يتعدل؟ دة زي العنكبوت بيخدر فريسته الاول قبل ما يتغذى عليها, وانتي كان المفروض تجربتك معاه كانت علمتك خلاص.
حياة: اهو اللي حصل بقا. المهم طمنيني هدى عاملة ايه دلوقت؟
مريم: الحمد لله تمام, يعني تقدري تقولي انها بدأت تفوق من الصدمة اللي اتعرضتلها, وكمان طنط وردة معاها وواخدة بالها منها.
حياة بارتياح: الحمد لله, متعرفيش انا كانت سعادتي أد ايه لما عرفت ان ماهر قدر يلحقها.
مريم: ماهر دة فعلا طلع شهم, اول ما سمع انها ممكن تكون في شقة الزفت دة خد عربيته وطار بيها, دة تقريبا كان سايق على سرعة 120 كيلو.
حياة: هو انتي كنتي معاه؟
مريم: طبعا بس اول ما وصلنا للعمارة حاولت اني اطلع معاه بس هو اصر اني استناه في العربية لكن لما لقيته اتأخر فوق قلقت فطلعتله لقيت هدى شبه مغمي عليها و هو نازل في عماد ضرب وكان خلاص قرب يقضي عليه.
حياة: فعلا والله, كتر خيره.
مريم: تصدقي بقا انه لما جدو عرض عليا اني اشغله معايا كنت قلقانة شوية وقلقت اكتر لما عرض عليا الشراكة بس دلوقت بقا اتأكدت ان جدو كان معاه حق, دايما عبدالرءوف الكامل معاه حق.
حياة بنظرة خبيثة: طيب ماهو على فكرة جدك بردو هو اللي اقترح مسألة جوازك من يوسف. يعني معقول يبقا عنده حق في كل حاجة اللا في دي؟
فعقدت مريم ما بين حاجبيها وقد ظهر الضيق على وجهها وهي تقول محذرة: حياة! لو سمحتي مش عاوزة كلام في الموضوع دة تاني.
حياة معتذرة وهي تضع ذراعها على كتفها: خلاص يا ستي ما تزعليش بس انتي عارفة اد ايه بحبك وصعبان عليا حالتك دي.
مريم وهي تحاول ان تخفي مسحة المرارة التي بدأت تشوب صوتها: ومالها حياتي يعني؟ مانا كويس اهو, وهبقا احسن ان شاء الله اول ما المشروع يبدأ.
ثم أكملت بصوت باك: خلاص مش هيبقا في حياتي غير دراستي وشغلي وبس, هحاول اشكل حياتي بنفسي وابطل اعتمد على حد تاني.
: السلام عليكم.
انتبهت الفتاتان الى ذلك الشخص الذي ظهر أمامهما فجأة, ولكنهما تمالكتا نفسيهما سريعا: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ثم خصص كلامه لمريم وهو يقول: ايه يا مدام مريم؟ فينك؟ اديلنا كتير مش بنشوفك يعني؟ لعل المانع خير ان شاء الله
مريم محاولة الابتسام: الحمد لله يا استاذ خالد, بس انا كنت مشغولة شوية في المشروع الجديد بتاعي, اصلي هفتح محل ملابس حريمي.
خالد با عجاب: بجد! الف مبروك.
مريم: الله يبارك في حضرتك.
خالد: وياترى الافتتاح هيكون امتى؟ اصل ممكن اختي تبقا زبونة عندك.
مريم: اكيد طبعا دة يبقا شرف ليا, وان شاء الله حفل الافتتاح هيكون يوم الخميس اللي بعد الجاي وأكيد حضرتك والانسة أختك معزومين.
خالد: ان شاء الله طبعا هنيجي, مش ان شاء الله الحفلة هتكون في فيللا الباشمهندس يوسف؟
مريم وقد شعرت بغصة في حلقها وهي تجيب: لا, في فيلا جدو عبد الرءوف.
لا تعلم ان كانت النظرة التي رأتها في عيون خالد نظرة مواساة أم انتصار؟ ولكن قد نبأها حدسها بأنها ستقع في مشكلة أخرى قريبا لا محالة.

———–———-———————-————

ونكمل في الحلقات القادمة ماتنسوش تعلقوا علي الحلقة في صفحة مدام طاسة والست حلة

 الى اللقاء في الحلقات القادمة

بقلم الكاتبة: رحاب حلمي

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى