ترفيهقصص قصيرة

سلسلة حلقات الرعب الممتنع بقلم نشوة أحمد الحلقة 1

26-10

سلسلة حلقات #الرعب_الممتنع، بعنوان:
( #سَمُّوه_أنتم )


حلقة 1:
أسندت نورا رأسها إلى كتف أشرف كعادتهما بعد انتهاء يوم شاق في العمل، يجلسان يتسامران، ويطالعان بعض البرامج التليفزيونية، ويتجاذبان أطراف الحديث في صفاء وود وسكينة.
وبينما هما كذلك، إذ انتفضت نورا من مكانها فجأةً، واتسعت عيناها، واحمرَّ وجهها وكأن نيرانا تستعر تحت جلدها، وهبت واقفة، وبدت بالنسبة لأشرف الناظر إليها في ذهولٍ شديدٍ، وكأن قامتها قد استطالت لسببٍ مجهولٍ، وتضخم بنيانها، وخشن صوتها، وتضاءل حجمه كثيرا مقارنةً بعملقتها المفاجئة، قبضت على كتفيه بكلتي يديها، وقذفت به خارج الغرفة، فسقط أرضا دونما ينطق بحرف واحد، وكأن صوته تخلى عنه، كما تخلت عنه شجاعته، فأوصدت الباب بقوة وحزم.
استجمع قواه أخيرا، وتحامل على ركبتيه المرتعدتان، وفرَّ هاربا إلى غرفة أخرى بالبيت، ويكأنها الحصن الحصين الذي تعود أن يحتمي به إذا ما هاجمتها تلك النوبة التي لا علم له إلى الآن بأسبابها.
وبينما هو قابع فوق مرقده، عادت له جرأته تراوده وتحثه على فعل شيء من أجل تلك البائسة التي لا يعلم أي مصاب تعاني خلف الجدران، وبالكاد استسلم، وأنزل قدميه، وخطى خطوات متمهلة نحو باب غرفتها، واسترق السمع، فسمع شهقات، وصرخات، وضحكات، وهمهمات لا يدري أهي لها، أم أن هناك من يرافقها؟


أسعفته قريحته بفكرةٍ، عقد العزم على تنفيذها في المرة القادمة؛ ليكتشف الحقيقة بنفسه، وبالفعل دسَّ جوالا نقالا في مكانٍ بعيدٍ عن الأنظار؛ ليمكنه من تسجيل ما يحدث دونما تدري، مادامت تستيقظ في كل مرةٍ غير واعيةٍ لما حدث، ناكرةً لكل شيء.
ولما استيقظت كعادتها، وكأن شيئا لم يكن، اتجهت إلى المطبخ؛ لتعد طعام الإفطار، فدلف بدوره إلى غرفة النوم حيث قضت ليلته بالأمس، والتقط جواله الذي أخفاه بعنايةٍ، وفتحه سِرًّا؛ ليتفقد الحقيقة كاملة، وظل يقلب بصره بين المقاطع المسجلة على الهاتف، فلم يجد جديدا، ظنّ بأن هناك ما حال دون التسجيل، تُرى، أَعَلِمَ ذاك الغريب بأمره، فمنعه؟ أم أن تلك المخلوقات لا يمكن تصويرها، أو حتى سماع حثيثها؟ ولكن، إن كان كذلك، فَلِمَ لَمْ يُسَجَّل صوت زوجته، أو حتى يلتقط صورتها؟ أَتُرَاه حوَّلَها إلى كائنٍ يشبههم؟ أو مَسَخَها فَلَمْ تَعُدْ بشريةً من الأساس؟
ثم شهق في نفسه ، هامسًا:
أَمْ تراه قتلها؟ إذن، من تكون تلك التي تشاركني الحياة تحت سقفٍ واحدٍ؟
وفجأة، وبينما هو في غمرة أفكاره المضطربة، إذ قطعت شروده فكرةٌ، جعلته يضرب رأسه، قائلًا:
تَبًّا لسوء ذاكرتي؛ لقد نسيتُ كعادتي أن أضغط زر التشغيل.
لكنه لم ييأس؛ فقد قرر الإفصاح عما يؤرقه لمتخصص في الدين؛ علَّه يجد له حلًّا، وبالفعل نصحه بقراءة القرآن الكريم، وعدم الانقطاع عن ترطيب اللسان، وتعطير القلب بذكر الله، ومواجهة الخوف بشجاعة، ويقين، وثباتٍ وإيمان بالله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء.
كان لتلك الجرعة الإيمانية مفعول السحر في نفس أشرف، الذي قرر التصرف بحسم وشجاعة إذا ما هاجمه ذلك العدو الخفي.
وبعد ليلتين، تكرر ما يحدث منذ أسبوعين بنفس الوتيرة، مع اختلاف واحد، وهو رد فعل أشرف، الذي ما إن أوصدت الباب، وبدأت تتسرب تلك الأصوات التي عهد إلى مسامعه، عمد إلى فأسٍ كان قد دسها؛ استعدادًا لمعركةٍ حامية الوطيس مع عدو، خفي، جبان، لعين.
كسر باب الغرفة، وآيات القرآن الكريم لا تبرح لسانه.
تمكن أخيرا من فتح الباب، فدلف إلى الغرفة الهادئة، التي خلت من أي ضوءٍ، عدا بصيص في نهايتها، اقترب منه، ليجد زوجته تفترش الأرض، وإلى جوارها كشاف، وأمامها بعض العلب تداعب محتوياتها.
اقترب منها؛ ليتثبت مما يرى، فرفعت يديها الملطختين بسائلٍ بنيٍّ في وجهه، وهبت من مكانها واقفةً في ركن الغرفة فَزِعَةً، مرتعدةً كطائرٍ مبتلٍّ، يحاول الفرار من مُفْتَرِسِه، وفي فمها شيء تلوكه بِنَهَمٍ.
انتفض من مكانه، وسَرَت القشعريرة في جسده؛ لرؤيته ألواح الشيكولاتة التي يعشقها، ويشتريها بنصف راتبه – خاصةً بعدما أُصِيبت الأسعار بالسُّعار والاستعار – ليتناولاها طيلة الشهر، فلو كان وجدها بين أنياب وبأن ذلك الكائن الخرافي الذي صوَّره له خياله طيلة الأيام المنصرمة، لكان أهون عليه مما يرى الآن.
اقترب منها، وقد انتفخت أوداجه، واتسعت حدقتاه، ورُفِعَت بالفأس ذراعاه، وهوى بها على الأرض في صدمةٍ عارمةٍ، وجَثَا على ركبتيه في تأثرٍ وخشوعٍ أمام علب الشيكولاتة الفارغة، وصرخ صرخةً مدويةً تصمُّ الآذان:
– شقا عمري…..
– #نشوة_أحمد_علي

زر الذهاب إلى الأعلى