الحلقه السادسة عشر من مسلسل مطلقة تحت التهديد بقلم حبيبه
الحلقه السادسة عشر من مسلسل مطلقة تحت التهديد بقلم حبيبه
الحـلقــة(16)
بعد رحيل مراد ،دلفت رهف إلي بيتها الجديد وكانت غاية في الإرهاق النفسي والجسدي،ما أن ارتمت بجسدها علي الأريكة حتي دق هاتفها فأجابت…
_أيوة يابابا؟
قال عبدالمنعم في لهفة : رهف،تعالي يا بنتي بسرعة ابراهيم هنا و عايزك؟
قالت منفعلة: ايه ابراهيم عندك،عايز مني ايه تاني؟
قال عبد المنعم بدون مقدمات: أمه وأخته عملوا حادثة وهما راجعين يا بنتي،وأخته تعيشي انتي!!
انهارت رهف بالبكاء والصريخ وهي تقول:ايه؟بتقول ايه يابابا؟سلـوي،سلوي ماتت؟
قال عبدالمنعم :الحقي ابراهيم يارهف الرجل منهار،جه ياخدك بيقولي مافكرتش غير فيها عايز حد يسندني،الحقيه عالمستشفي أحسن يجراله حاجة…
أغلقت الخط وهي ترتعد،تبكي،تصرخ
وانهارت وهي تتذكر ملامحها،مواقفها معها،ظلت تدور حول نفسها تبحث عن أي شئ،كانت لاتزل بفستانها الذي حضرت به خطبة سارة،أبدلته وهي تتجشأ من شدة البكاء والآهات بملابس قاتمة تقرب للسواد فهذا ما وجدته عند والدها،خرجت سريعاً ومعها ملك،ذهبت بها إلي والدها،تركتها معه وأخذت عنوان المشفي واتجهت اليه،وهي في حالة من الصدمة والبكاء…
دلفت الي المشفي لتسأل عن تلك الحادث المروع،حتي وصلت لحجرة العناية الفائقة التي تمكث فيها فدوي فاقدة للوعي،لتجد إبراهيم يجلس أرضاً أمامها،هذا الرجل العتي،انكسر لتوه،طُعن بسكين بارد ليجزل من قلبه قساوة الزمن،وجدته يبكي ،يصرخ ،يتألم وينوح علي فقيدته،كانت لهم الشمس التي تملأ البيت دفئاً بحنانها المعهود،والآن أين هي؟جسدها مازال معه يمكن أن يراه الآن،فقط الآن ،ولكن أين الضحكة؟أين الروح؟!
خطت نحوه بخطوات واهنة وهي ترأف بحاله رغم ما فعله،ولكن ما أفجع الفقد،ما أفجع الموت والفراق…جلست علي ركبتيها أمامه ودموعها تفيض علي وجهها،قالت بخفوت…
_ابراهيم؟
رفع رأسه ببطء،تبدل وجهه ذو الملامح المنحوته القاسية إلي ملامح طفل باكي،ما أن تقابلت الأعين،تعالت صرخاته وشهقاته وهو يقول:سلوي ماتت يارهف،أطيب مافينا ماتت يارهف…
سالت دموعها وهي تقول:البقاء لله ياابراهيم،شد حيلك عشان طنط مش تشوفك كدة…
قال بأسي:ماما كمان بين الحياة والموت
،أكيد ربنا بيعاقبني بيهم عشانك،بس ليه ؟ليه هم؟ كنت عاقبتني أنا يارب…
_حرام عليك تقول الكلام ده يا ابراهيم،وحد الله…
رفع نظره إليها وقال بضعف:سامحيني يارهف،أنا أذيتك كتير،عايزك تسامحيني…
نظرت رهف للأسفل وهي تبكي بحرقة،لم تستطع الرد فقد غلظ قلبها تجاهه،تجاه مافعله،لا يمكنها مسامحته،فعلي ماذا أو ماذا تسامحه،ما فعله جعل منها امرأة قاسية لا يمكنها العفو بسهولة،كادت أن تقول له “أنا لست ملاكاً”ولكنها امتنعت عن البوح بما تشعربه فآثرت الصمت حتي سمعت رنين هاتفها،اعتدلت وخطت بعيداً نسبياً عنه لتجيب…
_السلام عليكم…
_وعليكم السلام ،ازيك دلوقتي يارهف؟
أجابت باكية:مش كويسة خالص يافرحة،
سلوي أخت ابراهيم اتوفت…
أصيبت فرحة بالصدمة علي الرغم أنها لاتعلم سلوي عن قرب،فقالت بحزن:إنا لله وإنا اليه راجعون،البقاء لله ياحبيبتي…
قالت رهف وهي تبكي:دي كانت أطيب واحدة فيهم،ومامته كمان في العناية المركزة…
_ليه حصلهم إيه؟
_كانوا مسافرين وعملوا حادثة وهما راجعين…
قالت بصدمة:لاحول ولاقوة الا بالله،طيب اهدي يارهف وقوليلي انتي فين كدة،مراد قالي انك أجرتي شقة جديدة ووصلك عندها…
_اه بس أنا دلوقتي في المستشفي مع ابراهيم…
_طيب قوليلي اسم المستشفي عشان نجيلك…
_مفيش داعي يافرحة،بلاش تتعبوا نفسكوا…
_لأ طبعاً تعب ايه،لازم نكون معاكي،قولي بقا…
وبالفعل أملت رهف عليها اسم المشفي، أجرت فرحة اتصالها بمراد سريعاً والذي أبدي قلقه علي رهف،ولم يتردد لحظة في الذهاب إليها…
كانت رهف تقف بإحدي جوانب المشفي متكئة بجسدها علي أحدي جدرانه،تبكي وينعصر قلبها من شدةالحزن وكان ابراهيم يجلس أرضاً في حالة لا يرثي لها،حتي وصل مراد وفرحة إلي القسم الموجودين به ودلفا إليه ليجدوا رهف وابراهيم علي حالهم هذا
،اتجهوا ناحيتها فاعتدلت فور رؤيتهم،
احتضنتها فرحة بعمق لتبكي رهف بقوة وهي في أحضانها،ثم بعدت رهف عن حضنها لتلقي السلام علي مراد الذي بدا عليه القلق الشديد حيث قال وعيناه تحوطها بحب:شدي حيلك كدة يارهف؟
قالت بخفوت وصوت يتخلله البكاء:الحمدلله يا أستاذ مراد…
سألتها فرحة:هما دفنوها ولا لسة؟
أومأت رهف رأسها بالرفض قائلة:لسة موجودة تحت،وزادت شهقاتها وهي تقول: كل شوية أقول هنزل أشوفها،ألاقي رجلي وقفت كأني جالي شلل مفاجئ،مش مستوعبة اللي حصل…
رتبت فرحة علي كتفها بقوة قائلة:بعد الشر عليكي ياحبيبتي انتي مؤمنة ماتقوليش كده…
قال مراد محاولاً تغيير مجري الحوار:أمال ملك فين؟
قالت رهف :سيباها مع بابا…
اعتدل ابراهيم علي خروج الطبيب من غرفة الإفاقة التي تمكث فيها فدوي وهو يقول: مين فيكوا ابراهيم؟
انتبهوا جميعاً إلي الطبيب و هرول ابراهيم اليه وهو يقول:أنا يادكتور…
قال الطبيب:والدتك فاقت وعايزاك بس
حاول ماتجهدهاش في الكلام…
دلف إليها إبراهيم فسألته فدوي عن حال سلوي في قلق،أجابها بنظرات زائغة:سلوي كويسة يا ماما الحمدلله بس هي في أوضة تانية،ولم يظل معها كثيراً حتي خرج وهو يهتف علي رهف…
خطت إليه فقال:ماما عايزاكي…
ابتلعت ريقها وهي تخطو بوهن إلي داخل الغرفة ويتبعها إبراهيم حتي وقفت إلي جانب جسدها الممدد علي فراش العناية
،قالت رهف بصوت خافت:حمدلله علي سلامتك يا طنط…
أجابتها فدوي بصوت ضعيف يكاد يُسمع وهي تعلم أنها بين يدي الله:سامحيني يابنتي!
تلك كانت المرة الأولي والوحيدة التي دعتها بكلمة “بنتي”فدائماً ما تشعر رهف بقسوتها و غلاظتها معها رغم أنها كانت تتمني أن تعوضها عن والدتها التي فقدتها منذ الصغر ولكن هيهات فمن يحل محل الأم نبع العطاء والحنان الإلهي…
أتبعت فدوي قائلة:أنا كنت وحشة معاكي دايماً،كان لازم أعاملك زي سلوي ومافرقش بينكوا،انتوا الاتنين بناتي،أنا شفت الموت بعنيا و خلاص يابنتي أخدت عظة ودرس من الدنيا أنها ولا حاجة وكلنا ممكن نروح لربنا في ثانية…
انحنت رهف إليها وجلست بجانب الفراش ،بكت وهي تربت علي كفها النحيل وتقول
:خلاص يا طنط عشان خاطري ماتتعبيش نفسك بالكلام…
قالت بضعف:لا سبيني أقول اللي نفسي فيه،ان شاء الله لما أخرج من هنا ونروح،انتي وسلوي هتبقوا اخوات مش هفرق بينكم…
نظرت رهف لإبراهيم وهي عاقدة حاجبيها ودموعها علي وجنتيها وعينيها تسأله،أومأ لها برأسه وهو مغمض العينين فصمتت وهي تربت علي يد فدوي وقالت لها بحنان:اهدي دلوقتي يا طنط وبلاش تتعبي نفسك ولما تقوملنا بالسلامة ان شاءالله نبقي نتكلم…
خرجت رهف من الغرفة وتبعها إبراهيم
،استدارت رهف في مقابلته وقالت:هي طنط ماعرفتش عن سلوي؟
قال بأسي:لا هي فاقت هنا ولسة ماعرفتش حاجة…ثم أطرق قائلاً:ولا عرفت عننا حاجة، رهف احنا لازم نرجع لبعض ونبقي جمب ماما،أكيد هتبقي محتجالنا ،أنا ماليش غيرك…
نظرت له بعين دامعة وهي تقول:ابراهيم احنا خلاص اتحرمنا علي بعض،وده مش كلامي ولا كلام حد،ده كلام ربنا هو اللي بعدنا عن بعض…
قال بإنكسار غير معهود عليه:إحنا نسأل ونشوف ممكن نعمل إيه ونرجع لبعض تاني،أكيد فيه حل،أنا بحبك والله ومش هضايقك تاني،وأديكي شفتي ماما اتغيرت ازاي وسلوي خلاص راحت يعني مش هنقدر نستغني عنك وعن ملك…
قالت رهف بثقة ممزوجة بالدموع :أنا آسفة يا ابراهيم، مفيش حاجة ممكن ترجعني ليك تاني،خلاص كل اللي بيننا انتهي، وانت السبب مش أنا،أنا عملت اللي عليا ورجعت لكن انت اللي ضيعت آخر فرصة لينا،وبعدين ملك بنتك من حقك تشوفها كل يوم لو عايز وتاخدها لطنط كمان عشان تشوفها،عمري ما أقدر أمنعها عنكم،بعد اذنك يا ابراهيم…
قالت كلماتها وتركته يخبط بقبضة يده علي الحائط في حالة من الندم علي فعلته…
اتجهت ناحية فرحة ومراد الذي كان يتابعها بنظره ويستشيط غضباً من وقفتها وحديثها مع ابراهيم…
ظلوا معاً جميعاً يتبادلوا العبرات وقراءة القرآن،حتي توسطت الشمس كبد السماء وجاء موعد إجراءات الدفن وكل ذلك دون علم فدوي التي لاتزل تمكث علي فراش المرض…
انتهت رحلة الدفن وانتقلت روحها إلي الرفيق الأعلي وسكن جسدها مسكن أهل الديار السابقون،ما أصعبها من لحظات تتساقط فيها الدموع بطريقة هيستيرية،وينعصر القلب بغصة تكاد تمزق شرايينه،ما أصعب الموت وما أصدقه يميت أقرب المقربين معه وان عاشوا فبلا روح وبلا حياة،مجرد بشر عايشين…
ذهب كلِ إلي منزله بجسد منهك عدا رهف التي أصرت البقاء إلي جانب فدوي حتي قدمت وردة وتبادلتا الأدوار فرحلت رهف إلي والدها ،أخذت ابنتها وغادرت علي الفور الي شقتها الجديدة،أدت فريضة العصر ثم ارتمت علي الفراش لتنغمس في سبات عميق…
مرت الأيام علي نفس الوتيرة من الملل والرتابة ،تشبه بعضها البعض و أصيبت فدوي بالشلل النصفي إثر معرفتها بوفاة فقيدتها…
عادت رهف إلي عملها بمكتب مراد بعد أن قدمت لملك في الروضة بالقرب من مكتبها وبدأت حياتها تأخذ مسارها الطبيعي ولكنها لا تخلو من إلحاح إبراهيم بالعودة إليه تحت أي ظرف والرفض القاطع من رهف فهذا حد الله بينهم ولكن من يفهم؟!…
كانت الأيام جميعها لا تخلو من الإتصالات الهاتفية بين رهف وفرحة،كان مراد يتعامل مع رهف وكأنه مسئول عنها وعن ملك ،حتي استيقطت ذات يوم للذهاب إلي مكتبها،ما ان دلفت لتجد………