اليتيمة (Orphan) : القصة الحقيقية
|
الحقيقة أحيانا تكون اكثر غرابا وإرعابا من الخيال |
تبني الأيتام أو كفالتهم هو أمر تحث عليه جميع الشرائع والأديان , فالطفل اليتيم الذي فقد والديه لسبب أو لآخر هو مخلوق ضعيف بحاجة للعناية والرعاية والحماية المستمرة لأنه مازال غرا وعاجزا عن التكفل بنفسه , هو بحاجة للطعام والكسوة , لمن يربيه ويعلمه أولويات الحياة , ولمن يغذيه بالحب والحنان لكي يشب أنسانا سويا مفيدا لمجتمعه .
تبني الأطفال ليس بدعة أو شيئا جديدا , فعبر التاريخ , وفي مختلف الثقافات والمجتمعات , كانت كفالة اليتيم أمرا محمودا , وهناك الكثير من القصص المؤثرة عن أطفال تم تبنيهم أو كفالتهم من قبل بعض الأناس الطيبين ثم شبوا ليصبحوا أشخاص ذو مكانة وقيمة كبيرة في مجتمعاتهم .
لكن مثلما هناك قصص ونماذج مشرقة فأن هناك أيضا للأسف قصصا قاتمة ومأساوية , فليس كل من تبنى طفلا أو تكفل تربيته هو بالضرورة كفء للقيام بهذه المهمة الجليلة , وليست قليلة هي قصص التبني التي انتهت بكارثة , كما حدث مع الطفل الروسي ديمتري ياكوفيلف , الذي تبنته عائلة أمريكية ليلقى حتفه نتيجة سوء المعاملة بعد ثلاثة أشهر فقط من وصوله إلى الولايات المتحدة , وبسبب هذه القضية أصدر مجلس النواب الروسي (الدوما) قانونا عام 2012 يمنع بموجبه تبني أي طفل روسي في أمريكا .
ومقالنا لهذا اليوم يتناول أيضا قصة تبني انتهت بكارثة , لكن الضحية هذه المرة , وعلى العكس من قصة الطفل الروسي ديمتري , لم يكن اليتيم بل العائلة التي تبنته! .
|
يختاران طفلة لطيفة تدعى استير |
فيلم اليتيمة (Orphan) من أنتاج عام 2009 , يصنف ضمن أفلام الرعب النفسي , وقد نال تقييما متوسطا من قبل النقاد لكنه حصد أعجاب المشاهدين وحقق نتائج جيدة في شباك التذاكر .
الفيلم باختصار يتحدث عن زوجين , كيت وجون كولمان , يواجهان مشاكل في علاقتهما بسبب إجهاض الزوجة لطفلها الثالث , ولتعويض هذه الخسارة يقومان بزيارة ميتم قريب ليتبنيا طفلا , ويقع اختيارهما على فتاة روسية في التاسعة من عمرها تدعى استير . ليست هناك معلومات كثيرة عن ماضي استير , لكنها تبدو فتاة لطيفة ومثيرة للشفقة , فتنال تعاطف الزوجين وأبنتهما الصماء ماكس , أما أبنهما دانيال فيبدو أقل ترحيبا بانضمام الفتاة للعائلة . ولا يمضي وقت طويل حتى تبدأ كيت بملاحظة أمورا غريبة في تصرفات أبنتها الجديدة , فهي تميل لارتداء ملابس لا تتلاءم مع سنها , ولديها معلومات عن الجنس أكثر مما يجب لفتاة في عمرها أن تعرفه , وهي لا تميل للعب مع أقرانها , وتصبح عنيفة أحيانا . كيت تنقل شكوكها إلى مديرة الميتم , فتخبرها المديرة بأن أمورا سيئة تحدث دائما حينما تكون استير بالجوار , ولسوء حظ المديرة فقد سمعتها استير وانتقمت منها لاحقا بأن جعلت سيارتها تنحرف عن الطريق ثم هاجمتها وقتلتها بمطرقة .
|
ليس هناك معلومات كثيرة عن ماضي استير |
وعن طريق الصدفة , أثناء تنظيف كيت لحجرة استير تكتشف معلومة مهمة عنها , حيث أنها كانت نزيلة في مصحة عقلية في أستونيا , فتقوم كيت بمراسلة تلك المصحة بغية الحصول على معلومات أكثر عن ماضي إيسثر . وفي هذه الأثناء يحاول دانيال أن يعثر على المطرقة التي استعملتها استير لقتل المديرة لكي يثبت بأنها ليست طفلة بريئة كما يظن والديه , وعندما تستشعر استير بالخطر من طرف دانيال تحاول قتله , لكن ماكس تتدخل وتوقفها . ويتم نقل دانيال للمستشفى , فتسعى استير في أثره وتحاول قتله هناك خنقا بوسادة , لكنها تفشل في ذلك ويتمكن الأطباء من إنقاذه .
كيت تدرك أخيرا حقيقة استير فتقوم بمهاجمتها , لكن جون والممرضين يمسكون بها ويعطونها بعض المسكنات. ويعود جون إلى المنزل مع استير وماكس بينما تبقى كيت في المستشفى . وتحاول استير إغواء جون مستغلة انهياره وسكره , لكنه يوقفها عند حدها ويخبرها بأنه يصدق الآن ما قالته كيت عنها وسيعمل على أعادتها إلى الميتم , فتغضب بشدة وتبدأ بالبكاء
|
استير تقتل مديرة الميتم |
في المستشفى تتلقى كيت اتصالا من المصحة العقلية الإستونية ويخبرها الطبيب المتصل بأن استير في الواقع ليست طفلة , بل هي امرأة عمرها 33 سنة تدعى لينا كالمر , وهي تعاني من اضطراب في الهرمونات مما أدى إلى توقف نموها وتقزمها , وقد أمضت معظم حياتها وهي تمثل دور طفلة لكي تدفع الناس إلى تبنيها , ويكون هدفها دائما إغواء رب الأسرة وإقامة علاقة معه. وهي شرسة وعنيفة جدا , قتلت سبعة أشخاص على الأقل , وقد تعرضت آخر عائلة تبنتها للقتل لأن رب الأسرة رفض إقامة علاقة معها .
|
تكشف عن ملامحها الحقيقية .. المجنونة لينا .. |
بالعودة إلى المنزل فأن استير الغاضبة من صدود جون تبدأ بإزالة الماكياج عن وجهها لتكشف عن ملامحها الحقيقية كامرأة بالغة , وسرعان ما تقوم بقتل جون . وتشاهد ماكس مقتل أبيها فتختبئ . وفي هذه الأثناء تصل كيت إلى المنزل ملهوفة بعد أن علمت بحقيقة استير لتجد زوجها مقتولا , وفورا تهاجمها استير فتطلق النار عليها من مسدس وتصيبها في يدها ثم تبدأ بالبحث عن ماكس لكي تقتلها أيضا , لكن كيت تنهض وتباغت استير بضربة قوية تفقدها وعيها ثم تأخذ المسدس وماكس وتهرب من المنزل .
|
أنا لست أمك .. ثم تركلها وترسلها إلى قاع البحيرة جثة هامدة |
استير تستعيد وعيها وتبدأ بمطاردة كيت وماكس وتلحق بهما عند بركة متجمدة , هناك تقوم بمهاجمة كيت بواسطة سكين وتنجح في الإطاحة بالمسدس بعيدا عن يدها , وفيما كيت و استير تتصارعان فوق الجليد الذي يكسو سطح البحيرة تأخذ ماكس المسدس وتوجهه نحو إيسثر لكنها تخطأ في إصابتها وبدلا عن ذلك تصيب الجليد فتكسره لتسقط كيت و استير إلى المياه المتجمدة , وبعد أن تتصارعان لبرهة في الماء تتمكن كيت من الخروج , لكن استير تخرج في أثرها وتمسك بقدمها ثم تحاول تقمص دور الطفلة البريئة من جديد فتتوسل إليها بأن لا تتركها , لكن كيت ترد عليها قائلة بأنها ليست أمها ثم تركلها بقوة على رأسها فتكسر عنقها وترسلها إلى قاع البركة جثة هامدة .
هل القصة حقيقية ؟
العديد ممن شاهدوا الفيلم أرعبتهم فكرة وجود امرأة بالغة تتقمص دور طفلة , خصوصا حين تكون هذه المرأة قاتلة سادية .
“ماذا لو كانت زميلتي في المدرسة سفاحة تتظاهر بأنها طفلة ؟ ” .. سألت إحدى الفتيات الصغيرات أمها بصوت مرتجف بعد مشاهدتها للفيلم . فضحكت الأم وردت قائلة : ” لا تخافي عزيزتي .. الفيلم خيالي تماما , لا يمكن لامرأة في الثلاثينات من عمرها أن تتظاهر بأنها طفلة ولا ينكشف أمرها ؟ ” .
لكن هل هذا صحيح ؟ .. هل حقا لا يمكن لامرأة بالغة أن تتظاهر بأنها طفلة أو فتاة صغيرة وتنجح في خداع الآخرين ؟ .. خصوصا حين تكون هذه المرأة ضئيلة الحجم أو ذات وجه طفولي , وجهت هذا السؤال لإحدى زميلات العمل فأجابت قائلة بأنها ربما تستطيع خداع بعض الرجال لكن مستحيل أن تخدع امرأة مثلها . وأنا أتفق معها بأننا معشر الرجال غالبا ما يتم استغفالنا من قبل النساء في مسألة العمر , لكني على الأجمال أظن بأن زميلتي مخطئة في وجهة نظرها , ولأثبت صحة كلامي فقد غصت في عالم النت وفتشت وبحثت ونقبت وعدت لكم ببعض القصص .
ليست فتاة سيئة
|
جيرتي جونسون .. الفتاة الرقيقة واللطيفة .. |
في عام 2014 أقتحم رجلي شرطة أحد الفصول في مدرسة نيولايف كريستشين الثانوية في أمريكا وقاما بوضع الأصفاد في يد الطالبة جيرتي جونسون واقتاداها معهم إلى الخارج وسط ذهول معلمتها وزميلاتها .
” ما الذي فعلته جيرتي ؟ .. لابد أن هناك سوء تفاهم فهي فتاة طيبة ورقيقة ” .. هكذا قالت صديقتها الحميمة وهي تجهش بالبكاء , ولقد وافقها الرأي معظم الطالبات , فأي منهن لم تصدق بأن زميلتهن وصديقتهن العزيزة جيرتي التي أمضت معهن قرابة العام يمكن أن تقدم على أي عمل سيء .
وكانت المفاجأة والصدمة الحقيقية حينما دخل مدير المدرسة إلى الفصل في اليوم التالي وهو يحمل خبرا مزلزلا , قال بأن الشرطة أبلغته للتو بأن الطالبة جيرتي جونوسون , التي من المفترض أنها فتاة في الخامسة عشر من عمرها , هي في الواقع امرأة بالغة أسمها جاريت ستيفنز في الرابعة والثلاثين من عمرها !.
كان الذهول هو العامل المشترك لردة فعل الطالبات على ما سمعنه للتو , خصوصا أولئك المقربات إلى جيرتي .. كيف يعقل أنها خدعتهن جميعا لمدة سنة كاملة .
|
كيف يعقل أن هذا الوجه الطفولي البريء يعود لامرأة عمرها 34 سنة ! .. |
وفي الواقع قصة جيرتي لم تبدأ بدخولها المدرسة الثانوية , بل بدأت قبل ذلك بعدة أشهر حينما تعرفت على امرأة شابة تدعى تاميكا لينكولن وأقنعتها بأنها فتاة هاربة من منزلها بسبب تحرش والدها بها , وبأنها بحاجة لمأوى , فصدقت تاميكا كلامها ووافقت على أن تعيش معها في منزلها .
“لقد تعاطفت معها ودعوتها إلى منزلي , لقد عاملتها كطفلة , كنت اسرح شعرها , وأشتري لها ملابسها وأحذيتها ” .. هكذا قالت لينكولن لأحد الصحفيين وهي تصف علاقتها بجيرتي . ليس هذا فحسب , بل أعلنت لينكولن نفسها وصية رسمية على جيرتي باعتبارها قاصرة , وساعدتها في دخول المدرسة الثانوية .
وهنا قد يسأل بعض القراء : كيف يمكن لفتاة أن تسجل في مدرسة من دون أن تبرز أوراقا تثبت هويتها وعمرها الحقيقي ؟ .. والجواب هو أن مدرسة نيو لايف كرستشين هي مدرسة خاصة تابعة للكنيسة ومديرها قس , ولأنه يعرف تاميكا لينكولن معرفة جيدة فقد صدق بأن جيرتي هي قريبتها فعلا وساعدها في إكمال إجراءات التسجيل من دون التحقق من أوراقها الرسمية .
بعد إلقاء القبض عليها وعند عرضها على القاضي كانت جيرتي تبدو منكسرة والدموع تملئ حدقات عينيها , وفيما هي على هذه الحالة أقترب منها احد الصحفيين سائلا : ” لماذا فعلتِ ذلك ؟ ” .
فردت قائلة : “أنا لست الإنسانة التي يحاول البعض تصويرها للآخرين .. لست فتاة سيئة .. لست وحشا .. أنا إنسانة عادية كل ما أردته هو أن أمضي في حياتي بشكل أفضل ” .
وتابعت بصوت متهدج من شدة التأثر : ” لقد تخلت عني عائلتي وأنا طفلة , لا أعرف أصلا أين ولدت . لقد تظاهرت بأني فتاة صغيرة لأني أردت أن أحظى بالرعاية والعناية التي افتقدتهما طوال حياتي , أردت شخصا يهتم لأمري , أردت أن أكمل دراستي وأصبح شخصا أفضل .. كل ما أردته وبحثت عنه هو الحب ” .
الطريف في قصة جيرتي هو أنها وبرغم انكشاف أمرها فأنها ما تزال تنادي تاميكا لينكولن بـ “أمي” .
|
جيرتي في قبضة الشرطة .. هل يعقل أنها نفس الفتاة في الصور فوق !! |
إيستر الحقيقية
إذا كانت جيرتي فتاة طيبة ومسكينة تبحث عن الحب فدعوني أقدم لكم فتاة أخرى تكاد تكون نسخة مطابقة لإيستر في فيلم اليتيمة .. لا بل أن هناك من يصر على أن الفيلم مقتبس أصلا عن قصة هذه الفتاة الشريرة .
|
الكاميرا أتت بصور لأبن الجيران وهو محبوس ويعذب في القبو |
خيوط القصة تعود إلى عام 2007 حينما قام زوجين من منطقة كوجيم الراقية في ضواحي مدينة برنو التشيكية بنصب كاميرا مراقبة تعمل بنظام الدائرة التلفزيونية المغلقة في غرفة نوم طفلهما الصغير لكي يراقبانه خلال نومه . لكن أثناء تجربة الكاميرا , وبدلا من أن يرى الزوجان طفلهما الصغير وهو يرقد بسلام في سريره , فقد شاهدا منظرا مروعا لطفل عاري محبوس في قفص حديدي داخل قبو مظلم ! .. الطفل بدا في حالة سيئة , كأنه تعرض لتعذيب شديد . واستطاعت الزوجة أن تتعرف على الطفل , فهو لم يكن سوى اوندريج ذو الثمانية أعوام أبن جارتهم كلارا ماوروفا .
لكن ما الذي أتى بصورة أوندريج إلى تلفاز الزوجين ؟! .. الظاهر أن بث كاميرا المراقبة التي نصبها الزوجين قد تداخل عن طريق الخطأ مع بث كاميرا أخرى منصوبة في قبو الجارة كلارا .
|
القي القبض على الأم كلارا – القميص البني – والخالة كاترينا – الثوب الأبيض – |
الزوجان أبلغا السلطات على الفور , فتوجهت قوة خاصة من الشرطة إلى منزل كلارا ماوروفا واقتحمته , وهناك في الداخل , في القبو تحديدا , كانت بانتظارهم مناظر مروعة , إذ كان هناك طفلين عاريين ومسجونين داخل أقفاص حديدية , كانا في حالة إعياء شديدة وكلاهما ينزفان وتغطي جسديهما كدمات وجروح عديدة , وكانت هناك أيضا فتاة صغيرة تتمدد على أرضية القبو قبالة الأقفاص , لم تكن عارية ولا تبدو عليها علامات تعذيب , لكنها بدت مرعوبة وأخذت تبكي وتطلب النجدة , فطمأنها رجال الشرطة قائلين بأنها في أمان الآن .
الطفلان في القفص كانا كل من جاكوب – 10 أعوام – وشقيقه أوندريج – 8 أعوام – وهما أبنا صاحبة المنزل كلارا ماوروفا , أما الفتاة الصغيرة فهي أنيسكا – 12 عاما – وهي ابنة كلارا بالتبني .
تم نقل الأطفال إلى المستشفى وألقي القبض على كلارا ماوروفا وشقيقتها كاترينا التي كانت تسكن معها في نفس المنزل .
تحقيقات الشرطة مع الأم وشقيقتها , بالإضافة إلى أقوال الطفلين , أفضت إلى الكشف عن حقيقة مروعة هزت الرأي العام في جمهورية التشيك . إذ تبين بأن الطفلين كانا يتعرضان للتعذيب بشكل يومي وروتيني لقرابة العام على يد أمهما وخالتهما وأعضاء آخرين في طائفة سرية تدعى “رسائل الكأس” .
ولفهم مجريات ما حدث بشكل أفضل أظن بأن علينا أن نتعرف أولا على كلارا ماوروفا .. فمن تكون يا ترى ؟ .
|
كلارا مع ابنيها جاكوب واندوريج وابنتها بالتبني انيسكا |
ولدت في جمهورية التشيك عام 1975 . وكانت مهووسة منذ طفولتها بفكرة غريبة مفادها أنه تم اختيارها من قبل الرب لتنجز مهام عظيمة , وقد شاركتها شقيقتها كاترينا نفس الهوس والجنون . ولاحقا في حياتها تزوجت كلارا وأنجبت ولدين , وبحسب أقوال الكثيرين ممن عرفوها عن كثب فقد كانت أما محبة وحنونة , لكن كل شيء تغير عندما قررت إكمال دراستها الجامعية , إذ طرأ تغير عجيب في شخصيتها بعدما تعرفت على زميلة لها تدعى باربورا سكرلوفا , وهي فتاة غريبة الأطوار لها ماضي إجرامي وسبق لها أن كانت نزيلة عدة مصحات عقلية , وهي أيضا ابنة زعيم سابق لطائفة “رسائل الكأس” لكنه أنشق عنها وأسس طائفة جديدة لنفسه أسمها “النمل” قائمة على أسس ومعتقدات غريبة ومعتوهة .
|
طائفة رسائل الكأس أسسها كاتب ألماني في ثلاثينيات القرن المنصرم |
باربورا حدثت كلارا عن طائفة أبيها , ولم تجد صعوبة تذكر في إقناعها بالانضمام للطائفة بسبب الهوس الموجود أصلا في عقل كلارا بكونها مختارة من قبل الرب لأمر عظيم , ولم يطل الوقت حتى انضمت شقيقتها كاترينا أيضا إلى الطائفة .
التغيرات التي طرأت على أفكار وتصرفات كلارا كانت كبيرة لدرجة دفعت زوجها إلى هجرها والرحيل عن المنزل , وما أن رحل حتى انتقلت شقيقتها كاترينا وصديقتها باربورا للسكن معها , وتحت تأثير باربورا شرعت الأختان بتطبيق أفكار الطائفة المجنونة , وكان أول ضحايا تلك الأفكار هم للأسف أبنا كلارا , جاكوب و أوندريج , حيث حبسا في أقفاص حديدية في القبو البارد وهم عرايا من دون غطاء , ولم يسمح لهما بالخروج لقضاء حاجتهما فكانا يتبولان على نفسيهما , وجرى تجويعهما وضربهما وتعذيبهما بشكل ممنهج وبإرشادات مباشرة من باربورا التي كان يحلو لها أن تقوم بإطفاء عقب سيجارتها في أجساد الطفلين . وأحيانا كانت تتم دعوة أعضاء آخرين في الطائفة لكي يشاركا ويستمعا بتعذيب الطفلين , وهذه العذابات كانت تشتمل على الصعق الكهربائي والتحرش الجنسي والإيهام بالغرق , كما تم تعليقهما إلى السقف بالحبال وجلدهما .
|
كلارا مع طفليها .. ربما قبل أن تنضم للطائفة |
وكأن كل هذا العذاب لم يكن يكفي فخرجت باربورا بفكرة مجنونة جديدة , حيث قاموا بتغذية الطفلين جيدا وتسمينهما . وبعد أن اكتسى الطفلان لحما وشحما بالقدر المطلوب قاموا بإحضار أوندريج أولا ومدداه على الطاولة ثم قامت كل من كاترينا وباربورا بإمساكه وتثبيته جيدا بينما راحت أمه تسلخ الجلد عن ساقه بسكينة حادة ثم قطعت شريحة من لحمه ووضعتها في صحن , وشرع الثلاثة , كلارا وكاترينا وباربورا بألتهام ذلك اللحم وهن يضحكن ويسخرن من بكاء وعويل الطفل المسكين . وبعد شهر كررن نفس العملية مع جاكوب , هذه المرة قطعت كلارا شريحة لحم من يده , لكنها لم يكتفيا بأكل اللحم لوحدهم هذه المرة , بل أجبراه على أن يأكل هو أيضا قطعة من لحمه .
عذاب الطفلين أستمر لشهور , وكان الموت في انتظارهما حتما لولا إرادة الله التي شاءت أن يتداخل بث كاميرا الجيران مع بث الكاميرا التي نصبتها كلارا في القبو ليفتضح أمرها ويلقى القبض عليها هي وشقيقتها .
لكن ماذا عن باربورا سكرلوفا ؟ .. ماذا حدث لها ؟ .
إليك المفاجأة عزيزي القارئ .. فلعلك تذكر تلك الفتاة الصغيرة التي قلنا بأن الشرطة عثرت عليها في القبو مع الطفلين , والتي كانت تبدو مرعوبة وزعمت بأنها ابنة كلارا بالتبني , فتلك الفتاة لم تكن في الحقيقة سوى باربورا سكرلوفا , حيث أتقنت تلك المجرمة الداهية تقمص دور الأطفال طوال حياتها , ساعدها في ذلك أصابتها بعاهة مرضية نادرة أدت إلى بطء نموها . وعلى مر السنوات اقترفت باربورا الكثير من الجرائم لكنها كانت دائما تنجو من العقاب , فعندما يلقى القبض عليها كانت تشرع فورا في تمثيل دور الطفلة البريئة فيطلق سراحها أو يتم تحويلها إلى دار الأحداث فتهرب من هناك بسهولة .
|
الابنة المتبناة انيسكا هي في الحقيقة باربورا سكرلوفا .. وهي امرأة بالغة لكنها دوما تتقمص دور الطفلة والفتاة الصغيرة يساعدها في ذلك قصر قامتها وضآلة حجمها |
وخلال العامين التي قضتها باربورا في منزل كلارا ماوروفا كانت دائما تتقمص دور الطفلة أمام الآخرين , وكانت كلارا نفسها تخبر الجميع بأن باربوا هي أبنتها بالتبني .
|
عندما احست بالشرطة تقمصت فورا دور الطفلة الضحية |
وعندما شعرت الخبيثة بالشرطة وهي تحيط بالمنزل وتنوي اقتحامه سارعت بالنزول إلى القبو ومثلت دور الطفلة الضحية . وفي خضم الصخب والهرج والمرج الذي صاحب اقتحام المنزل نجحت في خداع رجال الشرطة فتم اقتيادها كضحية وليس كجانية . ولقد برعت بتمثيل دور الطفلة المرعوبة والمستنزفة عاطفيا أمام المحققين فقاموا بتحويلها إلى مركز رعاية اجتماعية خاص بالأطفال , ولم تلبث أن هربت من هناك واختفى كل أثر لها .
أما بالنسبة للأم المجنونة كلارا والخالة المأفونة كاترينا فقد تم تقديمهن للمحاكمة , القاضي سألهن مرارا عن سبب فعلتهن , لكنهن امتنعتا عن تقديم أي أسباب أو مبررات , وبحسب عضو آخر في الطائفة فأن سبب تعذيب الطفلين هو كسر أرادتهما جعلهما أكثر إطاعة والتزاما بالتعليمات الدينية ونمط الحياة الذي يتبعه أعضاء الطائفة . وهو تبرير غير مقنع أطلاقا .
بالنهاية نالت كلارا ماوروفا حكما بالسجن لتسعة أعوام , أما شقيقتها فكان جزاءها السجن عشرة أعوام , وطالت الأحكام أيضا ثلاث أعضاء آخرين في الطائفة , امرأتين ورجل , فنالوا أحكاما تتراوح بين سبعة وخمسة أعوام .
لكن ماذا عن باربورا .. ألم يعثروا عليها أبدا ؟ ..
|
شكلها الحقيقي كامرأة بالغة |
بعد أن هربت من مركز الرعاية الاجتماعية سافرت باربورا إلى النرويج , وهناك مارست من جديد موهبتها في تقمص دور الأطفال , هذه المرة قامت بحلق شعر رأسها بالكامل ومثلت دور صبي في الثالثة عشر من عمره أسمه آدم , وكان أدائها مقنعا إلى درجة أنها نجحت في التسجيل والدوام لعدة أشهر في مدرسة ثانوية في أوسلو تحت هوية مزورة .
لكن زملاء باربورا ومعلميها في المدرسة بدءوا يرتابون فيها , فتصرفاتها وأفكارها لم تكن طبيعية . وفي ذات يوم خلال حصة الرسم شاهدت المعلمة الصبي آدم (باربورا) وهو يرسم رسما جعل الدم يجمد في عروقها , كان الرسم عبارة عن سبعة أطفال يصرخون ويتألمون بشدة وهم ينزفون دما والجروح تغطي أجسادهم , وكان هناك رقم فوق رأس كل منهم , وقد رسم آدم نفسه كواحد من أولئك الأطفال ووضع فوق رأسه الرقم سبعة .
هذا الرسم الدموي المخيف دفع المعلمة للاتصال بالشرطة , فتم التحقيق مع الصبي وأخذ بصماته , وسرعان ما تكشفت الحقيقة , فالصبي آدم لم يكن سوى باربورا سكرلوفا ذات الأربعة وثلاثون عاما والهاربة من السلطات التشيكية .
|
حلقت شعرها وزعمت بأنها صبي أسمه ادم .. لكن لحسن الحظ ألقي القبض عليها وتمت أعادتها إلى جمهورية التشيك حيث حكم عليها بالسجن لخمسة أعوام |
تمت إعادة باربورا إلى جمهورية الشيك حيث خضعت لمحاكمة ونالت حكما بالسجن لخمسة سنوات . ولعل السبب في حصولها على هذا الحكم المخفف هو اضطراب حالتها العقلية , فالمحققين على قناعة بأنها هي نفسها تعرضت للتعذيب على يد والدها زعيم الطائفة حينما كانت طفلة .
|
صورة لوالد الطفلين , لكنهما لا يعيشان معه الآن وإنما مع جدتهما أم أمهما |
لكن بقى هناك لغز محير , فمن هم يا ترى الأطفال السبعة الذين رسمتهم في لوحتها حينما كانت تدرس في أوسلو , الشرطة تعرف بشأن ثلاثة منهم , وهم كل من الطفلان جاكوب وأوندريج إضافة إلى باربورا نفسها , لكن ماذا عن الأربعة الآخرين ؟ .. هذا ما يسعى المحققون لمعرفته , فهم يعتقدون الآن بأن هناك ضحايا آخرين لهذه الطائفة السرية البغيضة والتي على الأرجح تقوم بتعذيب الأطفال مقابل المال , فهناك شبكات إجرامية تدير تجارة سرية تدر الملايين سنويا وهي قائمة على استغلال الأطفال من أجل إشباع النزوات الجنسية الشاذة لبعض الأثرياء والمشاهير ورجال الأعمال وغيرهم من المولعين بالبيدوفليا أو الغلمانية – وهو اضطراب وشذوذ جنسي قائم على الولع بالأطفال – فهؤلاء مستعدين لدفع مبالغ طائلة لقاء مشاهد عري الأطفال واغتصابهم وتعذيبهم وحتى قتلهم . والدليل على ذلك أن كلارا كانت قد وضعت كاميرا في القبو تبث على المباشر وتسجل جميع مشاهد التعذيب بحق أطفالها . وهي كانت تملك فيلا فاخرة ورصيدا كبيرا في البنك مع أنها لا تعمل , وكذلك الأمر بالنسبة لباربورا , إذ كانت لا تعاني أبدا من الناحية المالية وقد سكنت في شقة فخمة في أوسلو رغم أنها بلا وظيفة أو عمل .
ختاما ..
الآن فقط علمت سبب عدم رغبة الكثير من النساء في الإفصاح عن عمرهن الحقيقي , فلعلهن سفاحات يرغبن في تقمص دور الفتاة الصغيرة ! .. ربما لسن سفاحات قاتلات , لكنهن حتما سفاحات لقلوب الرجال المساكين . وأظن المغزى العام لهذه القصص هو أن لا نثق بما تراه أعيننا فقط , فالحياة تحمل في جعبتها الكثير من المفاجآت الغريبة وغير المتوقعة , ونصيحة مني للفتيات الشابات على وجه الخصوص , لا تستبعدي عزيزتي بأن تكون زميلتك وصديقتك المقربة في المدرسة هي في الواقع امرأة بالغة تتقمص دور الفتاة الصغيرة , ومن يدري ربما تدعوكِ يوما إلى حفل عيد ميلاد فلا يراكِ أحد بعدها وينتهي بك المطاف في قفص حديدي ! .
المصادر :
– Orphan (film) – Wikipedia
– I Was Looking For Love
– Why did charity johnson pretend to be a teenager
– A very strange crime story
– Woman posing as child may have fallen victim to strange sect
– Cannibal cult mother gets 9 years in jail
تاريخ النشر 31 /10 /2015