ترفيهمسلسل غريبه في عالمك

مسلسل غريبه في عالمك الحلقة الثالثة والرابعة والعشرون

الحلقة الثالثة والعشرون


*لم أعد طفلة!*
ماهر بصوت حاد: يعني اللي سمعتيه كويس يا علياء, انا مش هشترك معاكم في اللعبة دي.
فقالت علياء ساخرة التي كانت تجلس على الاريكة بكل استرخاء: ودة من امتى بقا يا سي ماهر, مانت كنت أول واحد نفسك تزيح يوسف جلال دة من ادامك عشان يحلالك الجو مع حبيبة القلب.
ماهر: اولا مريم لا هي حبيبة القلب ولا حاجة, وثانيا بقا انا فعلا كان نفسي اخلص من يوسف جلال بأي طريقة, لكن دلوقت لا.
علياء: وممكن اعرف بقا ايه اللي جد خلاك تغير رأيك بالسرعة دي.
فقال ماهر بنبرة صادقة: لاني لحد امبارح بس ما كنتش اعرفه على حقيقته, بس لما قربت منه اكتر واتعاملت معاه وجها لوجه عرفت هو اد ايه انسان يستحق كل تقدير واعجاب وما يستاهلش اننا نأذيه.
علياء بلهجة غاضبة: يعني دة اخر كلام عندك يا ماهر؟
ماهر: ايوة يا علياء دة اخر كلام عندي. مش بس كدة, دة انا كمان لو عرفت انكم نفذتوا اي حاجة من اللي بتفكروا فيها ساعتها بقا ههد المعبد ع اللي فيه وهعترف بكل حاجة.
اثارت جملته الاخيرة حنق علياء التي نهضت لتقف بجانبه وتضع يدها على كتفه وتقول له بصوت يشبه الفحيح: وماله يا بابا, بس احب اقولك ان اللي ممكن يشيل الليلة دي كلها في الاول وفي الاخر هو حضرتك يعني أول طوبة هتقع من المعبد اللي ناوي تهده هتنزل على راسك انت. فاعقل كدة بقا يا امور, وخلينا ماشيين زي ماحنا.
ساد الصمت الثقيل بعد ذلك التهديد الصريح من علياء, اما ماهر فقد أصبحت ملامحه واجمة وفي حيرة من أمره بين أن يحافظ على نفسه من السجن وربما القتل وبين ان يشارك في أذية يوسف جلال ذلك الرجل الذي أصبح مدينا له بالكثير.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
بعد أن وضعت حياة كوبا من النسكافيه كان قد طلبه منها وليد منذ قليل أمامه على المكتب وسمعته يوجه اليها كلمة شكر مقتطبة, ولكنها وقفت مرتبكة تنظر اليه في حيرة من امرها لا تدري اترحل أم تفاتحه في ذلك الموضوع الان ولكن عندما لاحظت انه مشغول كثيرا بتدوين بعض الملاحظات الخاصة بمشروعه حتى بدا انه لم يلاحظ بقائها معه في غرفة المكتب قررت أخيرا ان الوقت غير مناسب , لذا همت بالمغادرة إلا ان صوته أوقفها: حياة!
تجمدت حياة في مكانها ونظرت اليه لتقول بلهفة: خير يا وليد؟ عايز حاجة؟
وليد وقد رفع عينيه اليها بتساؤل: انتي اللي عايزة حاجة؟ اديلك خمس دقايق واقفة مكانك زي ما تكوني عاوزة تقولي حاجة بس مترددة.
حياة وقد شعرت بحرج شديد: انا اسفة, شكلي عطلتك, انا همشي بقا واسيبك تكمل شغلك.
استوقفها صوته مرة أخرح قبل ان تندفع خارج الحجرة: لسة ما قولتليش كنتي عاوزة ايه؟
حياة وقد زاد توترها: لا خلاص بقا, الموضوع مش مستاهل.
وقف وليد وتقدم نحوها وهو يقول بصوت حاسم: انا اللي اقدر اقرر اذا كان الموضوع يستاهل ولا لا.
وقد اصبح قريبا منها لدرجة جعلتها تشعر بأنها اصبحت محاصرة تماما وأسيرة لنظراته الملاحقة فقالت بصوت مرتعش: انا كنت عاوزة اقولك ان البروفات بتاع المسرحية تقريبا خلصت والمفروض ان العرض هيكون اول يوم في الدراسة, وكل واحدة فينا معاها خمس تذاكر عشان تقدر تعزم قرايبها, وكنت بفكر لو انك يعني….قصدي لو كنت فاضي…..
ولكنها لم تجد الشجاعة الكافية لتكمل جملتها او بالاحرى دعوتها, فأكمل هو بالنيابة عنها: اني احضر العرض.
فأسرعت حياة تقول: بس مفيش مشكلة, لو كنت مشغول عادي يعني, مش لازم تحضر.
فقطع وليد السنتيمترات القليلة التي كانت تفصل بينهما, ولأول مرة منذ فترة طويلة ترى ذلك الدفء في عينيه وهو يلمس شعرها ويلف خصلة صغيرة منه على أصابعه وهو يقول بصوت حنون ومزاح رقيق يخلو من أي سخرية جعلها تتجمد في مكانها من شدة اندهاشها: وعاوزاني افوت على نفسي فرصة زي دي وانا بشوف مراتي نجمة اد الدنيا؟
لم تعلم ان كان ذلك يحدث في الحقيقة ام انه عقلها هو الذي يخيل لها ذلك, ولكن سواء اكان هذا ام ذاك فلم تكن تبالي بالأمر كثيرا فكل ما كان يهمها ان تستمتع بتلك اللحظات من السلام والمشاعر الصافية التي لم تحسها منذ زواجهما, ولكن بدا ان القدر يعاندها كثيرا ويأبى ان تستمر تلك السعادة لفترة أطول من ذلك فقاطعهما رنين هاتف المكتب, لم تكن تعلم ان كانت تلك النظرات التي رأتها في عينيه فور سماعه لصوت الهاتف هي نظرات حانقة أم مؤنبة.
توجه الى مكتبه ورفع سماعة الهاتف, وسمعته يتحدث الى أحد العاملين معه وقد كان صوته غاضبا, وبدت لها ان المكالمة ستطول, لذا قررت ان تتركه يكمل عمله وغادرت المكتب وأغلقت الباب خلفها.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أمام طاولة الطعام, اجتمعت العائلة المكونة من الاب والام والابن وزوجته يتناولون طعام الافطار, فسأل عماد وهو يرفع فنجان القهوة الى شفتيه: ما قولتليش يا بابا انت تعرف يوسف جلال صاحب شركة المعمار للمقاولات؟
فقال شاكر وهو يفرد قطعة من الجبنة على رغيف من الخبز المحمص: ومين من رجال الاعمال ما يعرفش الباشمهندس يوسف؟
عماد: لا انا قصدي تعرفه معرفة شخصية؟
شاكر نافيا: للأسف لا, صحيح انا يمكن اكون شفته مرة او اتنين في حفلات عامة بس مش اكتر من كدة. لكن انت بتسأل ليه؟
عماد: اصلي كنت عاوز شركته هي اللي تتولى المشروع السكني دة اللي ناويين نعمله.
فقال شاكر مؤيدا وهو يقول بلهجة مليئة بالاطراء: يا ريت والله, لان سمعة شركته وسمعته هو شخصيا في المجال دة هتبقا مكسب كبير لينا.
عماد: يبقا خلاص انا هتصل بيه في مكتبه النهاردة وهحاول اخد معاه ميعاد عشان اقابله في اقرب وقت واتفق معاه.
شاكر: مفيش مانع.
وهنا قالت نهال وهي تزفر بضيق: يوووووه, هو على طول شغل شغل كدة؟ انا زهقت بقا. هو انا جيت هنا مصر عشان اتحبس بالشكل دة؟
فحاول عماد ان يطيب خاطرها وهو يحتضن أصابع يدها بكفه: معلش بقا يا حبيبتي مانتي شايفة بنفسك, وكمان مانتي تقدري تخرجي وتتفسحي, يعني عندك النوادي والمحلات, وممكن تنزلي تعملي shopping وتضيعي فيه وقتك.
نهال محتجة: بس بردو هبقا لوحدي.
فرفع عماد اصابعها نحو شفتيه وقبلها بكل رقة, وقال لها محاولا القضاء على القلة الباقي من اعتراضاتها: خلاص يا حبيبتي كلها اسبوع او اتنين بالكتير اظبط فيهم شغلي وبعدين هبقا فاضيلك ع الاخر وساعتها بقا يبقا نخرج ونتفسح زي ما تحبي.
نهال باستياء: لما نشوف.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كان يوسف يقف امام المرآة يعدل رباطة عنقه مستعدا للخروج في حين استيقظت مريم من نومها, وقالت له وهي تتثاءب: صباح الخير.
اجابها يوسف دون ان ينظر اليها: صباح النور.
مريم وهي تغادر السرير: انت ماشي دلوقت؟
يوسف بابتسامة مازحا: الساعة عشرة يا مريم, صحيح انا صاحب الشركة لكن ما ينفعش اتأخر أكتر من كدة.
مريم: طيب هترجع امتى؟
نظر اليها متشككا وسألها: ليه؟ كنتي عاوزة حاجة؟
مريم وهي تفرك يديها بتوتر شديد وهي تحاول ان تختار كلماتها بعناية فائقة وهي تقول: بصراحة بقا, اه كنت عاوزة, شوف يا يوسف انت طلبت مني اني ما اروحش الجامعة تاني عشان المسرحية, وانا نزلت عند رغبتك وكملت باقي الشغل المطلوب مني في البيت هنا وكنت ببعته مع السواق. بس سلمى جاتلي امبارح وقالتلي انهم خلصوا بروفات و العرض هيكون اول يوم دراسة يعني بكرة وكمان عطيتني خمس تذاكر عشان اديهم لقرايبي, لكن كان عندها طلب صغير كانت عاوزتني اروح النهاردة عشان اتمم ع الديكور قبل العرض صحيح انا كنت بتابعهم بالتليفون بس بردو لازم اكون موجودة واشوف كل حاجة بنفسي.
انهت كلامها لتنظر اليه منتظرة رده على كلامها, وعندما طال الصمت, قالت له برجاء: يوسف عشان خاطري.
مقابل رجاءها ذلك ونظرات التوسل تلك التي يراها في عينيها كان مستعدا ان يوافق على أي شيء تطلبه منه, ولكنه لم يرد ان يظهر لها شعوره ذلك فقال لها بصوت جامد: اوك يا مريم, تقدري تروحي النهاردة بس ما تأخريش.
مريم بسعادة ولهفة وهي تطمع فيما اكثر من ذلك: وبكرة؟ اصل مش معقول يعني بعد كل التعب دة مش هحضر يوم العرض.
ظنت في البداية انه سيرفض الى ان قال والابتسامة تداعب شفتيه: انتي مش قولتي انك معاكي خمس تذاكر.
فأومأت مريم برأسها ان نعم, فقال لها والابتسامة تزداد على شفتيه: خلاص يبقا احجزيلي منهم واحدة.
فسألته مريم وهي لا تصدق اذنيها: احجزلك واحدة؟ يعني ايه؟ قصدك يعني انك عاوز………..
فهز رأسه موافقا: هو فيه مانع لو حضرت العرض معاكي؟
مريم وهي تسارع بالنفي و علامات الفرحة تظهر بوضوح على وجهها: أكيد لا طبعا مفيش مانع خالص, بالعكس.
والتقط يوسف كلمتها الاخيرة لينصب لها فخا: بالعكس ايه؟
بحثت مريم عن الكلمات المناسبة لتخرج من هذا المأزق بسلام: قصدي يعني بالعكس ان انا ما كنتش لاقيه حد اديله التذاكر اللي معايا, يعني ما كنش فيه غير عمتو وجدو زي مانت شايف مش هيقدر ييجي عشان كدة كنت عاوزة استأذنك في حاجة.
تظاهر يوسف بالاقتناع بمبرراتها الواهية وسألها: حاجة ايه؟
مريم: كنت عاوزة اعزم هدى, اصل زي مانت شايف على طول قاعدة لوحدها كأنها حاسة بالغربة وكمان دي هتبقا فرصة كويسة كأول يوم ليها في الجامعة عشان تتعرف على زمايلها.
يوسف موافقا: عندك حق.
وساد الصمت من جديد ومريم لاتزال تشعر بالتردد وقد لاحظ يوسف ذلك فسألها متشككا: مش دة هو فعلا اللي كنتي عاوزاه. فيه ايه يا مريم؟
مريم: بصراحة بقا انا كنت عاوزة اعزم ماهر ابن عمتو وردة كمان, اصله زي مانت شايف من يوم ما جه عشان يطمن على مامته وهو مش بيحاول ييجي تاني كأنه مكسوف يعني واهي هتبقا فرصة بردو يطمن عليها وهي كمان قلقانة اوي عليه ونفسها تشوفه.
كانت دائما تبهره بمراعاتها لشعور غيرها وحرصها الشديد على اسعاد كل من حولها رغم حداثة سنها, فوافق على الفور طامعا في الحصول على تلك الابتسامة الساحرة التي دائما ما توجهها اليه كلما وافقا على أمر ما, وهي ايضا لم تبخل عليه بها.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
استقبل يوسف عماد شاكر في مكتبه بكل ود وترحاب, فلقد كان لاسم شاكر عز الدين وزنه في سوق المال والاعمال, وبعد ان طلب القهوة لكليهما, قال يوسف بنبرة ودودة: الحقيقة يا استاذ عماد انت شرفتنا النهاردة وزي ما بيقولوا بقا خطوة عزيزة.
عماد مازحا: وزي ما بيردوا بردو, الله يعز مقدارك, الحقيقة يا باشمهندس انا كان نفسي اقابلك من زمان من كتر الكلام اللي سمعته عنك.
يوسف: يارب يكون اللي سمعته خير.
عماد: اكيد خير طبعا, هو مفيش اصلا حد يعرف حضرتك غير لما يشكر فيك وفي شغلك.
يوسف: دة بفضل الله اولا ثم والدي الله يرحمه وعمي عبدالرءوف الكامل من بعده.
تصنع عماد الدهشة وهو يقول: عبدالرءوف الكامل! معقول؟! هو عبدالرءوف بيه الكامل يبقا عمك يا باشمهندس؟ انا اول مرة اعرف المعلومة دي بصراحة.
يوسف مصححا: مش عمي بالظبط بس هو يبقا جد مراتي.
عماد: اه, ع العموم ونعم النسب بردو. المهم بقا خلينا نتكلم في الشغل.
يوسف: انا تحت امرك.
عماد: شوف يا باشمهندس, انا وبابا قررنا اننا نبني مشروع سكني في مدينة ستة اكتوبر, بس عاوزينه بمواصفات خاصة شوية.
يوسف: اه, بس ايه العلاقة مابين مشروع زي دة وبين عربيات النقل اللي شركتكم شغالة فيها؟
عماد: لا. ما هو احنا قررنا اننا نجرب حظنا في المقاولات ولو الموضوع نجح معانا ممكن نتوسع فيه. وطبعا حضرتك هيكون ليك الفضل الاول في دة وبردو حقك محفوظ. واكيد مش هنختلف يعني.
يوسف بلهجة حازمة: انا اخر حاجة ممكن اختلف مع العملا بتوعي عليها بتكون الفلوس يا استاذ عماد, لان كل الناس عافة شغلي كويس.
فقال عماد سريعا في محاولة منه ليصحح الخطأ الذي بدا انه قد وقع فيه دون ان يقصد مما جعله يدرك مدى قوة وذكاء الشخص الذي يتعامل معه: اكيد طبعا, سمعتك سابقاك يا باشمهندس,وانا ما كنتش اقصد اي حاجة غلط ممكن تكون فهمتها.
يوسف: ع العموم حصل خير, وانا اسف لاني مضطر ارفض عرض حضرتك, الحقيقة انا حاليا شغال في مشاريع ارتبط خلاص بيها ومش هقدر اخلصها قبل فترة طويلة ومش هينفع اني اقبل شغل تاني دلوقت وخصوصا اني بحب دايما ادي لكل حاجة حقها.
شعر عماد بخيبة الامل تتسرب اليه وبأنه على وشك ان يخسر الجولة الاولى امام خصمه العنيد, ولكنه قرر الا ييأس فقرر ان يحاول معه مرة اخرى لاقناعه فحاول ان يتحدث مجداا ولكنه منعه صوت طرقات خفيفة على الباب فقال يوسف بصوت هادىء: ادخل.
دخل وليد المكتب والقى التحية فرد عليه الاثنان, ودعاه يوسف ليقترب منهما حين لمح التردد باديا عليه وسمعه يتمتم بكلمات اعتذار خشية من انه قاطع حديثهما: انا اسف, شكلك مشغول يا يوسف. هبقا اجيلك بعدين.
يوسف: تعالى يا وليد, اكيد مفيش اسرار في الشغل عليك.
تقدم وليد منهما وعرف يوسف كل منهما على الاخر وقد بدأ بعماد: استاذ عماد شاكر ابن راجل الاعمال المعروف شاكر عز الدين.
فمد وليد يده لمصافحة عماد: اهلا وسهلا يا فندم.
فابتسم له عماد بتلقائية وهو يبادله المصافحة ويستمع الى يوسف وهو يقول: ودة بقا الباشمهندس وليد جلال اخوية وشريكي وفي نفس الوقت هو اللي ماسك قسم التصميمات بالشركة بس للأسف بقا ناوي يسيبنا قريب.
وليد: تشرفنا يا باشمهندس.
وليد:الشرف ليا يا استاذ عماد.
وبعد ان جلس الاثنان امام مكتب يوسف سأل وليد: بس خير يعني؟ الباشمهندس هيسيب الشركة ليه؟ هو الشغل هنا مش عاجبه؟
يوسف مازحا: لا يا سيدي, بس تقدر تقول كدة انه خلاص كبر علينا وقرر انه يفتح شركة لوحده.
عماد: كدة؟ الف الف مبروك يا باشمهندس, وناوي بقا تفتح شركة ايه؟
وليد: ان شاء الله شركة مقاولات.
عماد مداعبا: ايه دة؟ يعني ناوي تنافس الباشمهندس يوسف ولا ايه؟
وليد: لا طبعا, انا مقدرش,بس انا حبيت ابدأ شغل جديد بنفسي بس طبعا مش هبقا مستقل تماما عن هنا.
ثم لمعت الفكرة فجأة في عقله ليقول شارعا في تنفيذها: طب والله فكرة, ايه رأيك يا باشمهندس ان المشروع اللي كلمتك عنه يمسكه الباشمهندس وليد باسم شركته الجديدة.
فنظر وليد ناحية يوسف ليخبره بذلك الامر الذي يجهله, وبدا ان يوسف يفكر قليلا في الامر الى ان قال اخيرا: والله فكرة, وانا اضمنلك بنفسي الشغل دة.
عماد: وانا مش عاوز اكتر من كدة يا باشمهندس.
لم يطق وليد ان الصبر اكثر من ذلك فسألهما: طب ما تفهموني يا جماعة انتو بتتكلموا عن ايه بالظبط؟
فنظر يوسف الى ساعته وهو يتأهب للمغادرة معتذرا: انا هسيب بقا استاذ عماد يشرحلك الموضوع بالتفصيل, خدوا راحتكم خالص وانا عندي مشوار مهم هروح اعمله, وليد انا ممكن ما اجيش تاني النهاردة, استاذ عماد, طبعا المكتب مكتبك وسامحني بقا لاني مش هقدر اقعد معاك اكتر من كدة.
عماد متفهما: لا براحتك خالص يا باشمهندس, الله يكون في العون.
واستأذن يوسف, ثم رحل فشغل وليد الكرسي الخاص به خلف المكتب, و بدأ يتحدث بلهجة عملية: اتفضل يا استاذ عماد, انا تحت امرك.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف محل الصائغ الذي كان معتادا على التعامل معه, وكما يحدث دائما استقبله صاحب المحل ورحدب به أشد الترحاب, وسأله بابتسامة واسعة: تحت امرك يا يوسف بيه, ايه طلباتك المرادي؟
يوسف: عاوز هدية حلوة على ذوقك وتكون قيمة للمدام.
الصائغ: وياترى فيه مناسبة معينة؟
يوسف: وهو لازم يكون فيه مناسبة عشان الواحد يقدم هدية لمراته؟
الصائغ بلهجة مرحة: والله حتى لو في مناسبة, اكيد الهدية هتبقا خسارة.
فتبسم يوسف وهو يقول: مش كل الجوازت بقا.
الصائغ مؤيدا: في دي بقا معاك حق يا يوسف بيه. وخصوصا لو كانت المدام بتاع حضرتك , حقيقي تستاهل انك تتاقلها بالالماظ.
وافقه يوسف على مضض حيث لم يعد يتحمل ان يسمع كلمة مدح اخرى من رجل في حق زوجته, فلقد بدأت بالفعل تشتعل في قلبه نيران الغيرة.
وبينما كان الصائغ يعرض علي بعض قطع المجوهرات ذات الذوق الرفيع و الثمن الباهظ, فهو يعلم ان عميلا كيوسف جلال لن يهمه المبلغ الذي سيدفعه في الشيء الذي سيرغب في شرائه, سمع يوسف من خلفه صوتا انثويا رنانا يقول له مبديا الدهشة في نبرته: معقول؟ يوسف بيه جلال بنفسه؟ انا مش مصدقة نفسي.
لم يحتج يوسف الى الالتفات خلفه ليعلم من تكون صاحبة هذا الصوت, فهو لايزال يتذكره جيدا, ولكنه كان مضطرا الى ان يواجهها ويقول بصوته الرزين: ازيك يا علياء, عاملة ايه؟
فصافحته علياء بدلال وهي تقول بغنج: ايه دة؟ الحقيقة مش مصدقة انك لسة فاكر اسمي لحد دلوقت.
فقال لها يوسف محاولا تحاشي نظرات الصائغ الفضولية المتجهة اليهما: ازاي بقا؟ انا طول عمري فاكرك بكل خير؟ بس اظاهر ان انتي بقا اللي نسيتي ان فيه شغل بيننا.
علياء وقد ابت ان تسحب يدها من يده: اظاهر انت اللي نسيت يا باشهمندس, وبقيت بتبعت اخوك الباشمهندس وليد بدالك عشان يشرف على المشروع.
يوسف معتذرا بتهذيب: انا بجد اسف, بس فعلا عندي شغل كتير, دة غير بقا ان وليد بقا احسن مني في الموضوع دة لدرجة انه خلاص بيفتح حاليا شركة لحده.
فقالت علياء وهي تغمز له بعينها بنظرة فهمها يوسف جيدا: بس انا والباشمهندس وليد مش عارفين نتفاهم خالص عكسنا انا وانت.
تنحنح يوسف قليلا بحرج بالغ, وقال محاولا التملص منها: معلش يا علياء انا هبقا اتكلم مع وليد وهشوف بنفسي الموضوع دة.
علياء محبطة كل محاولاته للهروب: طيب ماهو الاسهل انك تتكلم معايا انا, ماهو انا ادامك اهو. ولا انت كمان بقيت مش عاوز تتكلم معايا.
يوسف: لا طبعا, بس اكيد المكان مش مناسب.
علياء وقد سجلت اعتراضه الواهن ذلك كنقطة انتصار لصالحها, وانتهزت الفرصة لتقول له: طيب ايه رأيك نروح في مكان مناسب ينفع نتكلم فيه.
وجدته يحاول ان يبحث عن اي سبب يخول له حق الاعتراض فقررت ان تقطع عليه الطريق لتقول: جرى ايه يا يوسف؟ هو انت اتعلمت البخل بعد الجواز ولا ايه؟ يعني حتى مش عاوز تعزمني ع الغدا النهاردة.
لقد حاصرته من كل جانب فلم يبق امامه اي مجال للرفض, فوافق راضخا: زي ما تحبي, شوفي المطعم اللي يعجبك ونروح نتغدى فيه.
وبالفعل جلس الاثنان امام طاولة صغير في مطعم هادىء انيق بدا شاعريا الى حد كبير بموسيقاه الهادئة الحالمة, وذلك بعد ان اشترى اسورة انيقة من الالماس ومطعمة بالزمرد قد ساعدته علياء على انتقائها بعد ان اقترحت ذلك فوافق على الفور حيث كان دائما يشهد لها بالاناقة والرقي في اختيار جميع مقتنياتها من المجوهرات.
وبعد ان اختارا من قائمة الطعام ما يرغبان بتناوله وقد ابلغا النادل به, انتظرت علياء الى ان ابتعد ثم وجهت اهتمامها الى يوسف لتلقي بسؤال مباغت: يوسف! انت ليه بتتهرب مني؟
من شدة المفاجأة لم يستطع الرد في البداية , ولكنه استعاد هدوئه سريعا وابتسم وهو يجيب: ومين بس اللي قال اني بهرب منك؟
علياء بجدية: انا مش محتاجة حد يقولي يا يوسف, انا ست ومش صغيرة واقدر احس كويس اوي بمشاعر اي راجل من ناحيتي.
يوسف: علياء انا…….
لم تنتظر ان ينطق بالمزيد فاشرت بيدها ناحية فمه وكأنها تمنعه من الكلام لتقول له بابتسامة حزينة: ارجوك ما تكملش, انا عارفة كويس ان مشاعرك من ناحيتي ما بقتش زي زمان, وانا مش هقدر الومك لانك كنت صريح معايا من البداية, يعني انت ما وعدتنيش باي حاجة وما نفذتهاش, وكون ان مشاعرك اتحركت في اتجاه تاني فدة ما يبقاش ذنبك, وانا مش زعلانة بالعكس يا يوسف انا لاني بحبك بجد فبتمنالك السعادة من كل قلبي سواء كانت معايا او مع غيري. وبتمنى ان غيري دي انها تكون تستاهل حبك ليها وتحبك زي مانا بحبك واكتر كمان لانك بجد انسان تستاهل كل خير.
ومن ذلك الرجل الذي يمكنه ان يشك في تلك النبرة الصادقة, حتى يوسف جلال نفسه لا يمكنه ذلك فشكرها بصوت مليء بالامتنان: انا متشكر اوي يا علياء على شعورك الصادق دة.
علياء وهي تكافح لتمنع دموعها من السقوط محاولة اخفائها خلف ابتسامة واسعة: بس انا بقا ليا عندك طلب اتمنى انك مش ترفضه.
يوسف: تحت امرك.
علياء برجاء: اوعدني اننا نفضل اصدقاء على طول, اصدقاء يا يوسف بجد.
ومدت يدها ليوسف تستحثه للرد على طلبها, ولم يتردد كثيرا فاحتضن يدها بكفيه وهو يقول بابتسامته الجذابة: اوعدك يا علياء.
فشعت عينيها ببريق الامل من جديد, ولكنه حذرها قائلا: لكن مش اكتر من كدة.
علياء موافقة على الفور: عارفة, وعشان كدة بقا ايه رأيك نبدأ من النهاردة.
يوسف بعدم فهم: ازاي يعني؟
علياء: ايه رأيك اعزمك النهاردة على العشا انت والمدام, واهو بالمرة تعرفني عليها اكتر وانا حاسة اننا هنبقا اصحاب ويمكن اكتر كمان.
يوسف: انا معنديش مانع, بس مش هينفع النهاردة, هي عندها حفلة في الكلية, وبعدها انا ناوي اخدها ونخرج برة في مكان لوحدنا عشان مناسبة خاصة.
علياء بنظرة ماكرة: المناسبة اللي انت اشتريت عشانها الخاتم؟
فاكتفى يوسف بايماءة بسيطة من رأسه موافقا, فتقبلت علياء الامر ببساطة, ثم قالت مقترحة: ع العموم ربنا يسعدكم, طب ايه رأيك بقا نخليها بكرة وعندي في الشقة؟ انا كنت عاملة بارتي صغير كدة بتمنى انكم تشرفوني فيه.
يوسف مازحا: بمناسبة عيد ميلادك بردو.
فابتسمت علياء لمزاحه وقالت: لا, المرادي بقا بمناسبة اني فتحت فرح جديد للبوتيك بتاعي وعاملة الحفلة دي يعني كدعاية.
يوسف: الف مبروك يا علياء, وبالتوفيق ان شاء الله.
علياء: يعني هتيجي.
يوسف: ان شاء الله هكون موجود انا ومريم.
وجاء النادل حاملا معه اطباق الطعام ويضع كل في مكانه وقد انشغل يوسف بالحديث معه , فبدأت ابتسامة خاصة تداعب شفتي علياء بسبب الانتصار الجديد الذي سجلته اليوم.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
وقفت كل من حياة ومريم وسلمى وكل من ساهم في المسرحية تقريبا خلف الكواليس وقد كانت فرحتهم لا توصف وهم يستمعون الى صوت تصفيق الجماهير الحاد بالخارج الذي لم ينقطع حتى الان منذ ان انتهى العرض, فقالت نورا بطريقة طفوليه: شفتوني يابنات وانا بمثل, انا ما كنتش مصدقة نفسي بصراحة, لدرجة اني بدأت اقتنع فعلا ان انا بنت حياة.
فدفعتها حياة بعيدا عنها وهي تمزح: بنت! انتي صدقتي نفسك ولا ايه؟ دة انا من دور عيالك.
فضحك الجميع, بينما قالت لهم سلمى بصوت رزين وجاد: مبروك عليكم يا بنات, بجد كنتو هايلين.
فاحتضنتها مريم وهي تقول لها: مبروك عليكي انتي يا سلمى, انتي اللي عملتي للمسرحية روح, واحنا كما كناش هنقدر نعمل حاجة من غيرك.
فابتسمت سلمى بخجل,في حين اتاهم صوت ذكوري رخيم يقول: الف مبروك يا بنات, عقبال حفلة التخرج بقا.
وبالطبع كان ذلك صوت خالد صلاح بطل المسرحية, فقالت له سلمى ردا على تهنئته: الله يبارك فيك يا استاذ خالد, وبجد انا بحيي حضرتك ع المجهود الرائع دة, انت فعلا قدرت بصوتك انك تدخل الناس في جو المسرحية.
لم يستطع خالد الرد عليها بكلمات مناسبة لذا اكتفى بكلمة: متشكر
مع ابتسامة عبر بها عن مدى ما يشعر به من سعادة وهو يشاركهم فرحتهم. ثم نظر الى مريم ليقول لها: حمدالله على سلامتك يا مريم.
فردت مريم وهي تتحاشى نظرته حيث شعرت بالضيق لسبب تجهله: الله يسلم حضرتك.
خالد معاتبا برقة: بردو حضرتك؟! احنا مش كنا اتفقنا خلاص اننا نرفع الالقاب.
ثم نظر الى سلمى وكأنه يطلب منها ان تؤيد رأيه وسألها: مش كدة ولا ايه سلمى؟
فردت سلمى مازحة: اه, بس دة كان ايام البروفات, لما كانت الادوار بتختلف, لكن دلوقت……
وأكملت بطريقة مسرحية وهي تتصنع الحزن: رجعت ريما لعادتها القديمة, وبقينا تاني احنا طلبة سنة رابعة وحضرتك المعيد بتاعنا اللي بيطلع عنينا.
فضربتها حياة بقدمها موبخة: يا بنتي لمي لسانك دة بقا.
فاحتجت سلمى: فيه ايه؟ مش هي دي الحقيقة؟ مش هو بيطلع عنينا في السكاشن؟
فتبسم خالد رغما عنه من تلقائيتها, وجرأتها, حيث ان قوة شخصيته تمنع اي طالب من ان يتحدث اليه بتلك الطريقة, لذا قال مدعيا الحزن بسبب كلامها: ياااااااه! هو انا كنت وحش اوي كدة وانا معرفش؟
فعالجت سلمى الامر سريعا: لا, حضرتك ما كنش قصدي كدة, انا بس كان نفسي تعلمونا بالراحة شوية, وتسمعونا زي ماحنا بنسمعكم وعلى رأي المدرس القدير محمد فؤاد لما قال يا عم حمزة حلمك علينا, احنا التلامذة وبكرة لينا.
بالطبع لم يستطع أحد منهم ان يخفي ضحكته او ابتسامته اثر تفوها بتلك الكلمات الى ان قال خالد اخيرا: ع العموم, خلاص يا سلمى انا هبقا اقعد مع استاذنا محمد فؤاد وافهم منه المبادىء الاساسية للتدريس عشان احسن من اسلوبي شوية, وياريت يا بنات بعد كدة تبقا تعتبروني اخوكم الكبير, واي واحدة فيكم عاوزة اي حاجة ياريت ما تترددش انها تيجي وتطلبها مني وانا هحاول اعمل اللي عليا ان شاء الله, والكلام دة موجه كمان لمريم.
انتبهت مريم على ذكر اسمها بعد ان كانت تنظر الى الارض شاردة بفكرها بعيدا عنهم تماما, وسمعته يكمل: ياريت يا مريم اي صعوبة تواجهك في الكلية تيجي تبلغيني بيها وانا ان شاء الله هحاول احلها.
فأرغمت مريم نفسها على الابتسام وهي تقول: متشكرة اوي.
ولم تعلم لم كان ذلك الشورشعور الذي يراودها بأن هناك من كان يراقبها الى ان أدارت بالفعل وجهها الى الناحية الأخرى لتراه متقدما نحوهم وعلامات الاستهجان بادية على وجهه.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
: انا سبق وحذرتك يا مريم.
كان مريم تتوقع الكثر من كلمات التأنيب والتوبيخ ولكنها لم تكن تتوقع ذلك الغضب الشديد الذي تواجهه الان, وهي من وجهة نظره لم ترتكب اي خطأ يستدعي غضبه لذلك الحد, وقد عبرت عن ذلك بالكلمات وهي تحاول ضبط انفعالها ولكن يبدو انها لم تفلح: انا ما عملتش اي حاجة تستاهل كل دة.
فقال يوسف بصوت كالجليد: لا عملتي يا مريم, انا سبق وطلبت منك انك ما تتعامليش مع البني ادم اللي اسمه خالد دة وانتي عصيتي اوامري ووقفتي واتكلمتي معاه.
مريم بلهجة دفاعية: اولا انا كنت واقفة مع صاحباتي وهو اللي جه وقف معانا عشان يباركلنا على نجاح المسرحية, وثانيا احنا مش كنا واقفين لوحدينا, وثالثا بقا انا كنت مجرد برد على كلامه مش اكتر.
فقال لها يوسف متوعدا: دي اول واخر مرة يا مريم هسمحلك فيها انك تخالفي اوامري.
مريم وقد وصلت حدة انفعالها الى الذروة: انا مش جارية عندك يا يوسف عشان انفذ اوامرك وبس.
يوسف بصوت كالرعد: مريم!
بدا انها لم تشعر بمقدار الغضب الذي حملته طريقة نطقه لاسمها فاستمرت تقول وهي غير واعية تماما بما تتفوه به وقد كانت على وشك الانهيار وهي تقول بطريقة تشبه الاطفال في غضبهم: لا يا يوسف انا مش هسمحلك انك تتحكم في حياتي اكتر من كدة وكأني طفلة صغيرة مش عارفة الصح من الغلط, انت لازم تعرف يا يوسف اني خلاص كبرت وطريقة الترهيب والثواب والعقاب دي مش هتنفع معايا.
وكأنها لمست وترا حساسا لديه مما جعل مزاجه يتغير فجأة ويتلاشى الغضب من ملامحه لتحل مكانه نظرات مليئة بالتساؤل والحيرة, وكان سؤاله المباغت لها: انتي متأكدة انك كبرتي يا مريم؟!

الحلقة الرابعة والعشرون
*عشيقة أخرى*
زارت علياء مكتب يوسف في شركته, وقالت له وهي تجلس على الكرسي امام المكتب وقد بدت على وجهها تعبيرات القلق والاهتمام الحقيقي وهي تقول: ولا يهمك يا يوسف, انت لما اتصلت بيا واعتذرتلي وقولت انك مش هتيجي الحفلة, حسيت ان صوتك متغير وكأنك زعلان, عشان كدة جيت اطمن عليك, وشكلي كدة اللي حسبته لقيته, مالك يا يوسف؟
فقال يوسف بابتسامة بسيطة محاولا بها اخفاء الحزن الذي يعتمر قلبه: مفيش يا علياء, كل الحكاية ان عندي شغل كتير اليومين دول مخليني متوتر شوية.
وبالطبع لم تصدق علياء ما يقول فشككت في كلامه وهي ترمقه بنظرات متفحصة: شغل ايه يا يوسف اللي يعمل فيك كدة؟ انت مش شايف انت اتغيرت ازاي؟ مش انت خالص يوسف اللي كان معايا من يومين والسعادة بتطل من عينيه.
ثم امالت نحوه قليلا واستطردت: هو فيه حاجة حصلت بينك وبين مراتك؟ زعلتوا مع بعض يعني؟
يوسف: انتي ليه بتقولي كدة؟
علياء: لان بخبرتي بالناس عموما وبيك انت شخصيا اقدر اقول ان السبب اللي كان مخليك فرحان من يومين هو نفس السبب اللي مزعلك دلوقت.
ارتسمت على شفتي يوسف ابتسامة مندهشة من فطنة صديقته.
علياء: افهم من ابتسامتك دي ان انا كلامي مظبوط, وان فعلا فيه مشكلة بينك وبين مراتك, شوف يا يوسف انا مش عاوزة اتدخل في حياتك الشخصية, بس في نفس الوقت مش مستحملة اشوفك كدة وافضل ساكتة, شوف يا يوسف انا ست واقدر افهم مريم ومشاعرها اكتر منك, فممكن تقولي ايه اللي حصل, ومين عارف؟ مش جايز تلاقي عندي الحل؟
خدعه كلامها الذي لا يستطيع ان يشك أحد في صدقه, وبما انه بالفعل كان في حاجة للتحدث الى شخص ما اي كانت هويته, لذا فقد أخبرها بما حدث بينه وبين مريم, وبعد ان انتهى رأى ابتسامة تعلو وجهها وسمعها تقول وهي صوتها نبرة سخرية: معقول! انت بتغير يا يوسف؟
يوسف: وليه لا؟ هي مش مراتي بردو ومن حقي اني اغير عليها؟
علياء: اه طبعا من حقك, بس مش يوسف جلال يعني هو اللي يدخل في منافسة مع حد.
فقال يوسف ثائرا: منافسة ايه يا علياء؟ ومين دة اللي ممكن ينافسني؟ كل الموضوع اني متضايق شوية لانها دايما بتحب تخالف اوامري.
علياء: مانت لازم كمان تراعي انها مش واخدة ع الكلام دة, ومش لازم يكون كلامك ليها على طول كله اوامر, جرى ايه يا يوسف؟ هو انا بردو اللي هقولك تعامل مراتك ازاي؟
يوسف: مش عارف يا علياء, هي دايما بتستفذني وبتخليني اخرج عن شعوري.
علياء: لا يا يوسف, دة انت لازم تبقا اهدى من كدة معاه, ما تنساش انها لسة صغيرة واكيد مندفعة شوية, ودورك انت بقا تمتص غضبها واندفاعها دة بالمسايسة يا يوسف.
يوسف: يعني المفروض اني اعمل ايه؟
علياء: شوف, الستات في السن دة بيحبوا الفسح والخروجات والهدايا والكلمة الحلوة. الا قولي انت اديتها الاسورة ولا لسة.
يوسف: لا لسة, اللي حصل دة بوظ كل حاجة.
علياء: خلاص يبقا تصلحها انت, انت لما تروح تقولها كلمتين حلوين كدة يخليها تنسى اللي حصل دة وبعدين تعزمها ع العشا برة في مكان رومانسي وسيب اختيار المكان دة عليا, وهناك بقا تديلها الهدية. واكيد هي هتنسى كل حاجة وتبدأوا مع بعض صفحة جديدة.
كانت نظرات يوسف متشككة فسألته علياء: ايه يا يوسف؟ انت بتبصلي كدة ليه؟
يوسف: اصلي عاوز اعرف انتي بتعملي كدة ليه؟ معقولة انتي فعلا عاوزة علاقتي بمريم تتصلح.
علياء: وايه الغريب في كدة؟ يا يوسف اللي بيحب بجد بيتمنى انه يشوف الانسان اللي بيحبه دة سعيد حتى لو كان مع حد غيره. وكمان احنا اتفقنا اننا هنكون اصحاب, مش كدة؟
فأومأ يوسف برأسه موافقا في حين نهضت علياء وهي تستأذن للرحيل: طيب همشي انا بقا واسيبك تشوف شغلك, بس ما تنساش اللي اتفقنا عليه وانا هحجزلكم ترابيزة في مطعم شيك وابلغك باسمه في التليفون, اتفقنا؟
فقال يوسف وهو يصافح اليد الممدودة له: اتفقنا.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
جلست حياة بجوار مريم في كافيتريا الجامعة كعادتهما دائما, وكانت حياة تقول بجدية معاتبة: لا, انتي فعلا غلطانة يا مريم فاللي عملتيه, وما كنش لازم تقولي كدة.
مريم وهي لا تزال تشعر بالغضب: انتي ما شوفتيش هو كان بيتكلم معايا ازاي, ولا كأني تلميذة بيأنبها على انها ما عملتش الواجب. وهو قالهالي كدة بنفسه, قال ان انا لسة طفلة. بقا انا طفلة يا حياة؟
فابتسمت حياة من طريقة صديقتها في التعبير, فهي حقا لاتزال طفلة مشاكسة, ولكن لحرصها الشديد على الا تجرحها, لم تشأ أن تقر بذلك الواقع, واتخذت اسلوب الحيلة: مش جايز طريقتك في التعامل معاه هي اللي بتخليه يصدق انك لسة طفلة؟
فقالت مريم وهي تمط شفتيها بتكشيرة: وانا كنت بعمل ايه يعني؟
حياة: كفاية انك بتخالفي اوامره على طول يا مريم, يعني طالما هو طلب منك انك ما تتعامليش مع استاذ خالد فانتي كان لازم تتجنبي اي موقف ممكن يجمعك بيه.
وعندما لاحظت ان صديقتها على وشك الاحتجاج تابعت كلامها باسلوب اقناع جديد: يا حبيبتي انتي لازم تفهمي ان جوزك مش طلب منك كدة الا لانه بيغير عليكي, ومش عاوزك تكلمي راجل تاني غيره, ودة حقه.
مريم بعصبية: يوووووه, انتي كمان هتقولي حقه؟ طيب فين حقي انا بقا؟
حياة: قبل ما تطالبي بحقك يا مريم فانتي لازم تقومي بواجبك الاول, يا بني الرجالة دول زي الاطفال اللي ممكن تزعلهم كلمة و تفرحهم مصاصة, والمصاصة دي بقا هي الحنية والرقة بتوع الستات, صدقيني يا مريم دول سلاحين مفيش اي راجل يقدر يقاومهم.
فاندفعت مريم كعادتها وكان سؤالها المباغت: وياترى الاسلحة دي نفعت مع وليد؟
فقالت حياة بصوت مليئ بالالم وهي تبتلع ريقها بصعوبة: يا مرم انا حياتي مع وليد مختلفة, وانتي عارفة كدة كويس, وليد مش قادر ينسى لحد دلوقت, وشكله كدة مش هينسى ابدا مهما عملت معاه, وليد بقا بيحس بنفور ناحيتي, وبقا واضح جدا انه صعب اوي يغير فكرته دي.
وضعت مريم كفها لتحتضن اصابع يد صديقتها وهي تشعر بالشفقة على حالها: انا اسفة يا حياة, ما كنتش اقصد.
فتبسمت حياة لتخفي مسحة الحزن التي سادت الموقف: يا ستي ولا يهمك, انا خلاص بدأت اتعود على حياتي معاه بالشكل دة, اما انتي بقا يا مريم فلازم تلحقي نفسك وحاولي تحافظي على جوزك.
مريم بنبرة حزينة ساخرة: جوزي؟! جوزي ايه يا حياة؟ مانتي عارفة احنا اتجوزنا ازاي؟ ولا انا ولا هو قادرين ننسى دة لحد دلوقت.
حياة: لسة ادامك وقت تصلحي اللي حصل وتسدي الشرخ اللي بينكم, وخصوصا اني لاحظت ان يوسف بقا مهتم بيكي بشكل كبير, ودة مش معناه غير حاجة واحدة, انه بدأ يحبك يا مريم, وانتي بقا عليكي انك تكبري الحب دة وتحسسيه انه اد ايه هو مهم بالنسبالك وانك انتي كمان بتحبيه.
“بحبه” رددت مريم هذه الكلمة في عقلها وأخذت تتساءل هل هي بالفعل تحب يوسف؟ والاهم من ذلك هل هو ايضا يبادلها نفس الشعور؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
لم تكن تعلم سبب بكائها في تلك اللحظة بالذات, ولكنها فجأة شعرت بحاجة الى البكاء ووجدت عينيها تهطل بالدموع وهي تجلس بمفردها على السرير في غرفة نومها وتدفن وجهها بين رجليها ولا تعلم مالذي دهاها؟ فكل ما كانت تفكر فيه الان هو حديثها مع مريم و نصائحها لها في حين انها هي التي كانت بحاجة الى النصائح. فهي رغم كل ما كان يفعله او يقوله لها لم تستطع ان تكرهه مع انها حاولت ان تفعل ذلك كثيرا, وحينما رأت ان قلبها لم يرضخ لرغباتها علمت في ذلك الوقت انها تحبه, بل تعشقه رغم علمها باستحالة ان يبادلها نفس الشعور او ع الاقل ان يتقبل وجودها في حياته, فهي ما زالت حتى الان تجهل سبب زواجه بها, ولكن كل تصرفاته معها تثبت انه لم يفعل ذلك الا بغرض الانتقام لقلبه الجريح. ولكنها لا تعلم الى متى سيستمر انتقامه, وماذا سيحدث بعدها؟ اسيقرر انها لم تعد جديرة بقربها منه فيطلقها. لا, فانها لن تتحمل بعدها عنه, فهي على استعداد لتحمل قسوته وسخريته الى مالا نهاية ولكن لتبقى بجانبه فقط.
سمعت طرقا خفيفا على الباب وبالطبع فلم يكن ذلك الطارق غيره, جففت دموعها بيديها في عجلة ولكنها بالطبع لم تستطع ان تخفي احمرارا عينيها, وبما انه لايجب ان تدعه ينتظر طويلا بالخارج حتى تغسل وجهها فدعته للدخول, وكان اول ما لاحظه فور دخوله هو عينيها الباكية ولكنه لم يعلق على الامر, بل قال بلهجة باردة: انا كنت هعمل لنفسي نسكافيه تشربي معايا؟
فاسرعت حياة تقول: مفيش داعي تعطل نفسك, روح انت كمل شغل وانا هعملنا احنا الاتنين.
فوافق وليد قبل ان يغادر الحجرة سريعا فانه لم يعتد ان يطيل البقاء في تلك الحجرة اكثر من اللازم.
دخلت حياة الحمام لتغسل وجهها اولا وتداري اثار الدموع بعينيها ثم توجهت الى المطبخ لتعد النسكافيه ثم وضعت الكوبين على الصينية التي حملتها وخرجت بها اليه لتجده جالسا على كرسيه الدوار امام طاولة الرسم الخاصة به, وكان منهمكا في احد الرسوم الهندسية, فوضعت حياة الصينية على طاولة صغيرة من الزجاج امام أريكة بالمكتب وأخذت احد الكوبين وقدمته لوليد: اتفضل.
فأخذ منها وليد الكوب وشكرها, ثم عادت حياة الى الطاولة مرة اخرى وحملت الكوب الخاص بها وهمت بالخروج الا انها سمعت صوته يناديها: حياة!
توقفت حياة ونظرت اليه: نعم؟
فأدار وليد كرسيه ليصبح مواجها لها وهو يسأل: انتي رايحة فين؟
تعجبت حياة قليلا من سؤاله: راجعة اوضتي. ليه؟
وليد: يعني لو مش وراكي حاجة تعمليها فممكن تشربي النسكافيه بتاعك هنا معايا.
فقالت حياة وقد زادت دهشتها, فتلك هي المرة الاولى التي يبين لها رغبته بصحبتها: اصلي مش عاوزة اعطلك.
وليد وقد نهض من مكانه وهو يرتشف من الكوب قليلا: لا مفيش عطلة ولا حاجة, انا اصلا محتاج راحة بعد اربع ساعات شغل متواصلة, اقعدي يا حياة.
فجلست حياة على الاريكة الوحيدة بالمكتب, وكانت تتوقع منه ان يجلس على كرسيه خلف المكتب ولكن لدهشتها الشديدة وجدته يجلس بجوارها على الاريكة, وساد الصمت المكان لدقائق, وقررت حياة ان تفتتح الحديث, فقالت وهي تحاول ان تبدي اهتمامها: هو ايه اللي انت كنت بترسمه دة؟ معلش اصلي ما بفهمش خالص في الشغل الهندسي.
توقعت حياة انه اما ان يتجاهل الرد على سؤالها او انه سيجيبها بسخريته اللاذعة التي تجعلها دائما تتجنب الحديث معه, ولكنها تشتاق كثيرا لصوته مهما كانت الكلمات الجارحة التي ينطق بها.
وفوجئت حياة بأنه قد أمسك يدها وأوقفها على قدميها وهو يقول بصوت ودود كانت قد افتقرت اليه معه: تعالي معايا.
وقادها وليد الى طاولة الرسم وقد انتابها الذهول عندما وجدته يشرح لها بصوت هادىء بعيدا عن الغضب او السخرية: دة مشروع سكني ضخم, وهو اول مشروع تمسكه الشركة بتاعتي.
فسألته حياة وهي تحاول ان تتناسى رهبتها منه او من اثارة انفعاله: هو انت خلاص افتتحت الشركة وبدأت الشغل فيها؟
فرد وليد بابتسامة واسعة: وتفتكري انا كان ممكن افتتح الشركة من غير ما تعرفي؟ مش المفروض انك مراتي بردو.
تجاهلت حياة سخريته في نطقه للجملة الاخيرة, فقط لانها لا تريد ان تفسد الود السائد بينهما في تلك اللحظة, فسألته: امال مشروع ايه اللي بتتكلم عنه دة.
وليد: دة مشروع يوسف رفضه لانه مشغول في مشاريع كتيرة ومش هتخلص دلوقت وصعب انه يقبل اي شغل تاني في الوقت الحاضر, فاقترح على صاحب المشروع ان شركتي هي اللي تاخده ودي بالنسبالي هتكون بداية ما كنتش احلم بيها بصراحة, دة غير ان خلاص مقر الشركة كلها يومين ويتشطب وبالكتير اوي على نهاية الاسبوع ان شاء الله هكون هيئة العاملين معايا, والشركة هتكون جاهزة للافتتاح وساعتها هيكون الرسم خلص ونبدأ شغل على طول بعد موافقة صاحب المشروع. اه وعلى فكرة يوسف اقترح عليا ان حفلة افتتاح الشركة تتعمل في الفيللا توفيرا للمصاريف يعني وانا وافقت.
حياة: ربنا يوفقك.
وسادت لحظات صمت فيها اللسان لتتحدث العيون الى ان وليد قرر ان ينهي سحر تلك اللحظات وهو يوجه نظرها ناحية الرسم ويقوا: شوفي بقا يا ستي هحاول اشرحلك الرسم دة وخلي بالك معايا.
حياة: ايوة بس انا مش بفهم اي حاجة في الهندسة.
وليد: يعني انتي كنتي اتولدتي اعلامية؟ كله بييجي بالتعليم, ركزي معايا بقا وانا هفهمك بالراحة.
لم تشأ حياة ان تعترض اكثر وتفقد لذة تلك اللحظات الساحرة برفقته, فأخذت تستمع اليه دون ان تستوعب كلمة مما يقول فانها لم تنتبه لشرحه حيث كان تفكيرها يتجه الى امر اخر, فقد كانت تتأمل ملامحه بكل تفاصيلها, وجهه, شعره, عينيه, كل ذلك يزيد من جاذبيته ورجولته, انها بالفعل تحبه ولكن لا تجرؤ بالاعتراف بذلك أمامه فبالطبع يمكنها ان تتوقع اعتراضه ورفضه لها, وقد اكتفت فقط بترديد جملة واحدة بصمت: ليتني قابلتك قبل ان يحدث ما يفرقنا الان!
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
كانت ودة تجلس في فيللا عبد الرءوف بعد ان سمح له الاطباء بالانتقال, فاستأذن من يوسف وعاد هو وابنته الى فيللته, وكان ماهر دائم التردد عليهما تقريبا بشكل يومي, وفي احدى زياراته اليهما وقد كان يجلس برفقة والدته بالاسفل بينما كان عبد الرءوف يستريح في غرفته بالدور العلوي, وبينما كانت وردة تحمل في يدها فنجانا من القهوة قالت له: طيب وانت عامل ايه يا حبيبي دلوقت.
ماهر: الحمد لله يا ماما بس ناقصني وجودك في حياتي.
ثم اكمل مازحا: بجد بقا وحشتني اوي المحكمة اللي كنتي بتنصبيهالي كل يوم لما برجع متأخر, دة غير بقا الاكل اللي كنتي بتغصبيني عليه مع انك عارفة اني مش بحب الاكل البيتي نهائي اللي في حالات الطوارىء.
فتصنعت وردة الغضب وهي تقول: بقا كدة يا ماهر؟ ماشي اديني يا سيدي سيبتلك البيت عشان تعمل اللي عاجبك.
فأسرع ماهر, وقبل يديها: بجد وحشتيني اوي يا ماما, وانا مش قادر اتعود على بعدي عنك.
وردة ونظرات الحنان تطل من عينيها: وانت كمان يا ماهر وحشتني اوي, وبقيت بقلق اكتر من الاول ولولا اني متأكدة ان باباك مش هيوافق وممكن كمان يعملها مشكلة انا كنت طلبت منك انك تيجي تعيش معايا هنا انا وجدك.
ماهر: مش هينفع يا ماما, وخصوصا دلوقت. بس ع العموم اطمني ابنك خلاص عقل وبقا ما يتخافش عليه.
وردة: بردو قلبي هيفضل واكلني عليك لحد ما تريحني بقا وتختار بنت الحلال اللي تكمل حياتك معاها وتاخد بالها منك وساعتها بقا هكون اطمنت فعلا.
ماهر بنبرة خاصة: قريب اوي يا ست الكل ان شاء الله
وردة: ودة معناه ايه بقا؟ انت خلاص حطيت عنيك على حد؟
ماهر: يعني, حاجة زي كدة.
وردة: طيب ممكن اعرف هي مين؟
ماهر: مش دلوقت يا ماما, ع الاقل لما اتأكد من مشاعرها ناحيتي.
وكانت وردة كأي ام ترى ابنها أفضل مخلوق في وجود مهما كانت عيوبه, فهو بالنسبة لها خاليا من اي عيوب, فقالت: ودة اسمه كلام بردو؟ وهو فيه واحدة عاقلة في الدنيا تقدر ترفض واحد زيك مال وجمال وحسب ونسب؟ دي تبقا اكيد اتجننت.
ماهر مبتسما: دة عشان بس انا ابنك يا ست الكل فلازم تقولي كدة, لكن مش لازم ان دة يكون رأي كل اللي يعرفوني.
فربتت وردة على كتفه بحنان: ربنا يسعدك يا ابني, و يقربلك البعيد.
فأمن ماهر على دعائها وهو يمني النفس بتحقيقها, فلأول مرة قلبه يتعلق بفتاة ويخشى من ان يكون قد تعلق بسراب, فهو يرى الكثير من الحواجز التي تحول بينهما.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل يوسف حجرة مريم ليجدها تقرأ في احد الكتب فبعد ان ألقى عليها تحية المساء وردت عليه بالمثل سألها باهتمام: ايه اللي انتي بتقريه دة؟
مريم: دي رواية.
يوسف: عن ايه؟
شعرت مريم بالاحراج وهي تجيب: دي رواية رومانسية.
يوسف وقد زاد اهتمامه للأمر: رومانسية؟! غريبة يعني!
مريم: وهو ايه الغريب في كدة؟
يوسف: اصلي ما كنتش فاكر انك بتهتمي بالحاجات دي.
مريم بنبرة حزينة لائمة: حقيقي انا ما كنتش بهتم في الاول, بس بدأت اهتم دلوقت عشان اكبر وما افضلش طفلة زي مانا, مش دة كان كلامك؟
فجلس يوسف بجوارها على السرير وسألها: وانتي شايفة بقا ان قرايتك للروايات دي هي اللي هتكبرك؟
مريم: معرفش, اديني بحاول.
يوسف: طيب ممكن بقا تسيبي الرواية اللي في ايدك دي وتقومي تلبسي؟
مريم وهي تسأله ببلاهة: ليه؟
يوسف: عشان هنخرج, انا عازمك النهاردة ع العشا برة, واعتبريه يا ستي عربون صلح وتكفير عن الكلام اللي قولته في لحظة غضب.
فنظرت مريم اليه باهتمام تحاول ان تستشف من تعابير وجهه ما اذا كان بالفعل صادقا في اعتذاره, ولكنها كالعادة تعترف بهزيمتها امامه, فهي لا تستطيع فهمه مهما حاولت , فلقد بدأت تشعر وكأنها بالفعل طفلة كما وصفها.
أخرجها يوسف من شرودها وهو يداعب شعرها الأحمر الطويل وسألها: ايه يا مريم؟ انتي مش عاوزة تخرجي معايا ولا ايه؟
انها في المواقف العادية لا يمكنها ان ترفض له طلبا, فما بالك وهو يتحدث اليها بذلك الصوت الجذاب ذات النبرة الرقيقة الساحرة؟
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
اجتمعت علياء بعماد في شقتها, وقد كانا يتناولان أحد المسكرات, فقالت علياء وهي تميل بدلال ناحيته: والله ووحشتنا ايامك يا عمدة.
عماد: انتي اللي وحشتني بجد يا لولو, عاملة ايه بقا في الشغل؟
علياء بتأفف: يوووووه, ودة وقت مناسب بردو نتكلم فيه عن الشغل؟ ع العموم يا سيدي اطمن خالص كله ماشي تمام وعال العال.
عماد: طيب نتكلم بقا عن اللي غير الشغل. قوليلي عملتي ايه مع يوسف جلال؟
علياء بنظرة خبيثة: ودة سؤال تسأله للولا بردو؟ مانت عارفني ما فيش حاجة تصعب عليا حتى يوسف جلال نفسه تقدر تقول اني خلاص طويته تحت جناحي, وزمانه دلوقت واخد المدام بتاعته وبيتعشوا في المطعم اللي انا حجزتله فيه.
عماد باعجاب: تمام اوي كدة. وجهزتي كل اللي اتفقنا عليه؟ وكلمتي صاحبتك؟
علياء: طبعا, وهو انا بردو تفوتني حاجة زي دي؟
عماد: شاطرة يا لولا.
علياء: تلميذتك يا عمدة, وزي ما اتفقنا كلها شهر بالكتير وتلاقيه مطلق الست هانم بتاعته اللي فضلها عليا.
عماد: اللا بقولك ايه يا علياء, هي فعلا مراته دي حلوة كدة زي ما بيقولوا عليها؟
فهمت علياء المغزى من سؤاله فقالت محذرة: لا, بقولك ايه يا عماد, احنا مش فاضيين للحاجات دي, خلينا نشوف شغلنا احسن.
عماد: ماهي دي حلاوتها, ان احنا نعرف ازاي نستفيد من شغلنا دة بكل الطرق الممكنة.
علياء: ماشي يا سيدي, وانت بقا عملت ايه مع وليد؟ الواد دة رخم اوي وانا بصراحة مش بطيقه, اصل واخدها جد اوي ومحبكها اكتر من اللازم, وممكن تتعب معاه.
فقال عماد بغرور: بس مش عليا يا ماما, هو خلاص بلع الطعم وقبل المشروع بتاعي دة غير انه كمان عازمني على حفلة الافتتاح بتاعة شركته يوم الجامعة الجاية, يعني تقدري تقولي ان كلها شهر بالكتير وهطويه تحت جناحي بالظبط زي مانتي عملتي مع أخوه, وما تنسيش ان كل انسان ليه نقطة ضعف تقدري تدخوليله منها, ووليد دة بقا نقطة ضعفه شغله.
فقالت علياء بنبرة مليئة بالكره: ياللا, خليهم يشربوا بقا, وعشان احنا كمان نقدر نشوف شغلنا كويس.
فنهض وليد وهو يقول: اوك يا حبيبتي, سلام بقا.
علياء: بدري كدة؟
عماد: مانتي عارفة بقا يا حبيبتي, انا بقيت راجل متجوز ولازم ارجع بدري عشان اتجنب السين والجيم.
علياء ساخرة: يا عيني عليك يا عمدة. وانت كان مالك ومال الجواز بس, مانت كنت عايش حياتك بالطول والعرض زيي, ليه تكتف نفسك التكتيفة دي؟
عماد: اعمل ايه بقا؟ مانتي عارفة انا راجل صاحب مزاج, و نهال دي من يوم ما عرفتها وانا مشدودلها جامد وعاوز اوصلها بأي شكل, لكن بالرغم من كل عيوبها الا اني ما قدرتش اطولها من غير جواز.
علياء: طيب وانت ايه جابرك انك تفضل عايش معاها لحد دلوقت؟ ما تطلقها وتخلص.
عماد: للأسف مش هينفع. نهال بقت عارفة كل اسرار شغلنا دة غير اني ساعات بحتاجها في الشغل وكمان اهي واجهة ليا في الوسط الاجتماعي, مانتي عارفة بقا, عماد بيه وحرمه. ياللا, سلام بقا يا قمر, وخلينا دايما على اتصال لو حصل اي جديد.
علياء: اوامرك يا برنس.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
دخل عماد حجرة نومه على أطراف اصابعه حتى لا يزعج زوجته التي كانت تغط في النوم العميق, فهو يخشى ان تستيقظ فتلقي على اذنيه نفس الاسطوانة التي أصبح يحفظها عن ظهر قلب.
وجد عماد الحجرة غارقة في ظلام دامس, فلم يحاول ان يضغط زر الاضاءة وهو يخلع سترته, ولكنه أغمض عينيه فجأة حين سطع ضوء الحجرة في عينيه فجأة ووجد زوجته تجلس على السرير وهي تنظر اليه بغضب: ماهو بدري يا سي عماد.
عماد: نهال! انا مش في مزاج يسمح اني اسمع منك اي كلمة تأنيب.
نهال: طبعا, ماهو اكيد بعد السهرة اللي الله اعلم انت قضيتها مع مين, مش هتبقى طايق تبصلي حتى.
عماد وهو يحاول ان يسيطر على انفعاله: مفيش داعي للكلام دة يا علياء, انتي عارفاني كويس اوي قبل ما نتجوز, ووافقتي عليا وانا كدة, يبقا مش من حقك انك تشتكي.
نهال: كنت فاكرة انك ممكن تتغير.
عماد: يبقا دي مشكلتك انتي, لان انا صعب اني اتغير, ودة اللي لازم تفهميه كويس اوي. ولازم تتعودي على الحياة معايا بالشكل دة.
نهال: وانا ايه اللي يجبرني على كدة؟
عماد: حاجات كتير اوي, زي مثلا الشهرة اللي بقيتي بتتمتعي بيها وكلمة نهال هانم اللي بتتقالك في كل مكان, والفلوس اللي من غير عدد وعمالة تصرفي فيها من غير حساب, والرحلات اللي بتعمليها في اشهر اماكن في العالم, اعتقد ان كل دة يا نهال يستاهل منك التضحية البسيطة دي.
لم تعلق نهال بشيء, واكتفت بمشاهدته وهو يستلقي على السرير بجوارها قبل ان يقول: تصبحي على خير, وياريت تطفي النور عشان أعرف انام.
وأطفأت علياء الاضاءة لتغرق الغرفة في الظلام من جديد.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
خرجت مريم برفقة يوسف وتوجها الى المطعة الذي اخبرته علياء باسمه عن طريق الهاتف كما وعدته, وبعد ان اتاهما النادل بقائمة الطعام وطلبا ما يريدان تناوله على العشاء, قالت مريم بسعادة: ميرسي اوي يا يوسف, حقيقي المكان هنا هادي وساحر.
فقال يوسف الذي بالطبع لم يخبرها ان علياء كانت صاحبة القرار في اختيار هذا المطعم الذي نال اعجابها: كويس انه عجبك, لاني بصراحة بقا دة كان كل اللي يهمني النهاردة, اني اعمل اي حاجة ممكن تفرحك؟
مريم: واشمعنا النهاردة يعني؟
يوسف: عشان النهاردة انا عاوز احتفل بعيد ميلادك.
مريم بحزن: ياااااااااااه. انت لسة فاكر؟ انا عيد ميلادي كان من يومين. و تقريبا كل الناس يومها قالتلي كل سنة وانتي طيبة الا انت دة حتى جدو حطلي مبلغ كدة بحسابي في البنك كهدية من غير ما يقولي قبلها لانه عارف كويس اوي اني مش بقبل الهدايا.
يوسف بأسف: مانا عارف, كان يوم حفلة الجامعة, وكنت عامل حسابي على كدة بس اللي حصل بينا بعد الحفلة لغى كل الخطط اللي كنت مرتبلها, بس انا بقا قررت اني اعوض كل حاجة النهاردة, دة لو انتي موافقة طبعا, قولتي ايه بقا؟ موافقة!
ونظر اليها بترقب فوجدها تبتسم له بهدوء وهي تومىء برأسها كعلامة للقبول.
وعلى الفور أخرج يوسف تلك العلبة القطيفة صغيرة الحجم من جيب سترته وفتحها لتظهر بداخلها الاسورة الي قد اشتراها سابقا بمساعدة علياء, قدمها يوسف لها وقد كانت تتلألأ بألوانها التي تخطف الانظار: تسمحي بقا تقبلي مني الهدية دي, صحيح انتي مش بتقبلي هدايا من حد, بس انا واثق انك مش هترفضي هديتي.
مريم وهي تنظر الى الاسورة بمشاكسة: وانت بقا جبت الثة دي منين؟
يوسف: احساسي بيقولي كدة, كل سنة وانتي طيبة يا مريم.
مريم: وانت طيب
وأخذت مريم منه العلبة وأخرجت الاسورة و ظلت تتأملها وهي في اصابعها للحظات وقد زاد لمعانها في ضوء المطعم ذات الالوان المتعددة.
فمد يوسف يده ناحيتها وهويقول: تسمحيلي؟!
فهمت مريم بالضبط ماذا يريد؟ فاعطته الاسورة, ومدت ذراعها الأيسر اليه, فقام يوسف بتثبيت الاسورة فيه, وكأي طفل يحصل على لعبة جديدة, أخذت مريم تتلمس الاسورة بيدها الاخرى وهي سعيدة باقتنائها فقط لانها منه هو وحده.
أما يوسف فكان يتابعها في صمت وهو معجب بتلك الطريقة الطفولية التي تزيد من جاذبيتها و كذلك من انجذابه اليها.ولكنه قرر ان يشاكسها قليلا: واضح جدا انها عجبتك, لدرجة انك نسيتيني انا شخصيا وانا قاعد ادامك.
مريم بصراحتها المعهودة: حقيقي يا يوسف جميلة اوي.
يوسف بفخر: طبعا لازم تكون جميلة, مش انا اللي اشتريتها؟
فنظرت له مريم بغيظ, فقال يوسف: لالالا بلاش التكشيرة دي , النهاردة بقا انا مش عاوز اشوف غير الابتسامة وبس.مفهوم؟
مريم بانفعال: ماهو انت اللي بتستفذني.
يوسف بعيون ضاحكة: خلاص يا ستي مش هستفذك تاني, فين بقا الابتسامة الحلوة؟
فابتسمت مريم رغما عنها, فمن الواضح انه لا يزال يعتبرها كالطفلة وهذا يتضح حتى في طريقة مداعبته لها, ولكنها تفضل ذلك عن غضبه الذي يصعب التعامل معه.
وبينما وهما في غمرة سعادتهما جاءهما من الخلف صوت انثوي رنان يقول: ايه دة معقولة؟ يوسف! انا مش قادرة اصدق! فينك من زمان وفين ايامك؟
استطاعت مريم ان تفهم من كلام تلك المرأة ونبرة صوتها وكذلك من ارتباك يوسف, بأنها كانت احدى عشيقاته القديمات, ولكنها حاولت ان تخفي ضيقها الشديد وخصوصا في حضور تلك السيدة, واكتفت بمراقبة زوجها الذي قد نهض ليسلم عليها بكل ود: ازيك يا سمر, عاملة ايه؟
سمر بدلال: يعني هو انت كنت بتسأل؟
حاول يوسف ان يتجاهل كلامها وقال وهو يشير الى مريم: اسمحيلي اقدمك مريم مراتي.
ثم اشار الى المرأة الاخرى وهو يكمل التعارف: ودي يا مريم سمر وهيب.
لاحظت مريم وهي تصافح تلك السيدة ذات اليد الباردة بأنه قد اكتفى بذكر اسمها فقط وتجنب ان يذكر مدى علاقته بها, فعلمت انه في حيرة من أمره, فماذا يمكنه ان يقول؟ هل يقول صديقتي ام عشيقتي؟
وعندها شعرت بالدموع الحارة تملأعينيها ولكنها حاولت ان تخفيها خلف ابتسامته الباهتة وهي تستمع الى تعليقات سمر ذات النبرة الساخرة التي بدا على يوسف بأنه لم يلاحظها: الف مبروك يا مدام, بجد برافو عليكي انك عرفتي توقعيه, احنا عمرنا ما كنا نتوقع ان يوسف ممكن يدخل القفص أبدا.
وكان يوسف هو من تولى الرد عليها محيطا كتف زوجته بذراعه: وليه بقا ما تقوليش ان انا اللي عرفت اوقعها, مريم دي جوهرة, وانا فعلا محظوظ انها بقت من ممتلكاتي.
فأكدت سمر على كلامه بنفس سخريتها المبطنة: معاك حق يا يوسف, مراتك زي القمر, ربنا يسعدكم, اسمحولي بقا استأذن, شكلي كدة قطعت عليكم الجو الرومانسي الحلو دة.
يوسف: طيب ما تقعدي تتعشي معانا.
سمر: لا يا سيدي, انا مستنية ناس عازميني هنا هروح استناهم على ترابيزتنا, بتمنالكم سهرة سعيدة بقا.
وقبل ان تغادر قالت: يوسف ما تنساش تبقا تكلمني, اكيد انت لسة معاك رقمي, وانتي كمان يا مدام مريم.
فهزت مريم رأسها موافقة بينما قال لها يوسف: ان شاء الله.
وابتعدت سمر فجلس يوسف على كرسيه مرة أخرى وعندما لاحظ مسحة الحزن التي تكسو وجهها حاول تدارك الامر واستعادة الجو الشاعري الذي كان يسودهما قبل مجيء سمر, فقال بابتسمة ساحرة, ولكنها لم تؤثر على مريم هذه المرة: قوليلي بقا يا مريم احنا كنا بنقول ايه قبل ما سمر تيجي؟
فقالت مريم بنظرات حادة وصوت قاطع: يوسف! انا عاوزة اروح.

———–———-———————-————

ونكمل في الحلقات القادمة ماتنسوش تعلقوا علي الحلقة في صفحة مدام طاسة والست حلة

 الى اللقاء في الحلقات القادمة

بقلم الكاتبة: رحاب حلمي

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى